التاريخ يكتبه المنتصرون!

  • 3/6/2017
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

(1) كم يزعجني أن أسمع هذا «الكليشه» إلى الآن، رغم كل هذا التطور الإنساني في مجال صناعة التاريخ والحدث اليومي، وهذا التطور الإنساني لم يجعل للتاريخ رواية واحدة، ما يراه البعض عيباً وأراه أنا ميزة، أستطيع أن أختصرها بأننا اليوم نستطيع أن نقول بأن لا أحد يحتكر الحقيقة، كما نستطيع أن نقول إننا لا نؤمن بأحادية الحقيقة، وهذا الأمر لم يكن ربما متوافراً لدى من سبق وأطلق هذا «الكليشه». (2) وما الفن إلا إحدى هذه الوسائل الإنسانية التي تطورت على مر التاريخ الإنساني، لتكشف لنا إنسانيتنا بعيداً عمن انتصر ومن انهزم. لأن الفن جعلنا متساوين أمامه، وما الدور المنوط بنا فيه إلا ما يطور الصياغة الفنية بعيداً عن أي مفهوم آخر. يقول المفكر والفيلسوف البوسني علي عزت بيغوفيتش في كتابه «الإسلام والشرق والغرب»، إن المعنى النهائي للفن أن يكتشف الخصوصية الإنسانية في الناس التي أساءت إليهم الحياة، وأن يكشف النبل الإنساني عند أناس صغار منسيين في خضم الحياة. وباختصار أن يكشف عن الروح الإنسانية المتساوية القيمة في جميع البشر، وكلما كان وضع الإنسان متدنياً في الحياة، فإن اكتشاف نبله يكون أبلغ اثارةً. مما سبق نستطيع أن نقول إن الفن جعل للجميع صوتا يعبرون به. بل إنه قام بتقديس أصوات المنسيين والمهمشين في هذه الحياة ورفعهم إلى مستوى الملوك والحكام والأبطال، مما أعطى الإنسان بعداً وجودياً أقوى عما كان عليه، وهذا الأمر لم يكن وليد الساعة لكنه مرّ بأطوار عدة منها الفلسفية والتجريبية. (3) وما التطور التكنولوجي، وأخص منه التطور في مجال التواصل الاجتماعي، إلا أحد الوسائل المعاصرة التي تعطي الإنسانية فرصة لتكشف ذاتها بعيداً عن منطق من بيده سلطان القوة. فصار «الجميع» يستطيع أن يعبر عن حقيقته بعيداً عن مفهوم الحقيقة الواحدة المروضة الموحدة التي كانت تساق لنا لكي يسوقنا من بيديه هذه القوة، والذي هو من كان يحدد حياتنا اليومية، وفي الوقت نفسه يكتب لنا تاريخنا الماضي والآتي ليوهم بأنه صاحب الحق الأبدي والحقيقة الأبدية. (4) مما تقدم أقدر أن أقول إن كلاً من الفن والثورة التكنولوجية (التواصل الاجتماعي) استطاعا قلب الطاولة على مفهوم من يكتب التاريخ ومن يملك الحقيقة، ولم يكتفيا بذلك بل استطاع ترابطهما ان يخلق مفاهيم إنسانية جديدة في التعبير لم تكن متوافرة في العصور الماضية يصعب على من بيده «القوة الكلاسيكية» أن يواجههما. ما جعله يستقر في دائرة الخطر بشكل دائم. رغم أن هناك من أصحاب «القوة الكلاسيكية» من دخل في معترك ما نستطيع أن نسميه «القوة الجديدة». مستفيدين من نفوذهم وقوتهم الكلاسيكية، لكن دخولهم هذا لا يجعل ما يقولونه حقيقة منزهة عن الخطأ وخارج النقد، كما كانت أقوالهم وأفعالهم عندما كانوا يسيطرون بـ«قوتهم الكلاسيكية». وهذا بحد ذاته تطور كبير وكبير جداً، يتيح «للجميع» قول ما يراه حقيقياً ومن شاء يؤمن به ومن لم يشأ فليكفر. (5) السؤال الأخير قبل أن أغادر، هل تعتقد أن ما كتبته في هذا المقال حقيقة؟ إن أجبتني بـ«لا». فاعلم بأنك استطعت أن تثبت ما أقوله. بأن لا أحد يملك الحقيقة. وبأن لا أحد يستطيع أن يكتب التاريخ وحده.حمود الشايجي

مشاركة :