شهدت الساحة الليبية عدة مبادرات أطلقها عدد من بلدان الجوار لحل الأزمة المستمرة في البلاد منذ ست سنوات، وكان آخرها مبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، التي تبنّتها لاحقاً كل من الجزائر ومصر؛ حيث اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث وأصدروا بياناً يدعو إلى التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، على أن يتم لاحقاً عقد اجتماع آخر في الجزائر بحضور رؤساء هذه الدول للبحث في كيفية تطبيق بنود الاتفاق الأخير على أرض الواقع، بالتعاون مع الأطراف الفاعلة في ليبيا. غير أن اللافت أخيراً هو النشاط المكثّف لعدد من رؤساء الأحزاب التونسية فيما يتعلق بالملف الليبي ضمن ما يُعرف بـ"الدبلوماسية الشعبية"؛ حيث قام رئيس حركة "النهضة" الشيخ راشد الغنوشي أخيراً بزيارة قصيرة إلى الجزائر، التقى خلالها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وبحث الطرفان الأزمة الليبية، وكان واضحاً منذ البداية أن النظام الجزائري أراد الاستفادة من العلاقات الواسعة للغنوشي بأغلب الأطراف الليبية والإسلامية بشكل خاص، والدليل على ذلك هو زيارة مدير ديوان الرئاسة الجزائرية أحمد أويحيى إلى منزل الغنوشي؛ حيث التقى بالقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا الشيخ علي الصلابي. الغنوشي أكد أخيراً أنه على تواصل دائم مع الرئيس التونسي، وهو يسعى لإنجاح مبادرته حول حل الأزمة الليبية، مشيراً إلى أنه سيتوقف عن لعب أي دور في الشأن الليبي، في حال أعلمه قائد السبسي بأنه تسبب بأية مشكلات، إلا أن الأخير أكد في حوار تلفزيوني قبل أيام أنه لم يكلّف الغنوشي بأي نشاط دبلوماسي فيما يتعلق بدول الجوار، مشيراً إلى أن وزير الخارجية هو الشخص الوحيد المعني بالدبلوماسية الخارجية. تصريحات الرئيس التونسي الأخيرة اعتبرها البعض "غريبة" أو غير منسجمة مع الواقع، على اعتبار أن الغنوشي اعتاد على زيارة السبسي قبل قيامه بأي نشاط خارجي، وبالتالي هو يتحرك في إطار ما يسمى بـ"الدبلوماسية الشعبية"، أو الموازية التي تنسجم مع السياسة العامة للدولة ولا تتعارض معها، كما أن إرسال الرئاسة الجزائرية لطائرة خاصة (وفق بعض المصادر) كي تُقل الغنوشي إلى الجزائر، لا يمكن أن يتم دون التنسيق مع الدولة التونسية. بعض المراقبين اعتبروا أن ما قاله قائد السبسي هو محاولة لامتصاص الاحتقان أو الجدل الذي أثاره النشاط المكثف من قِبل رئيس حركة "النهضة" عبر استقباله لعدد كبير من الأطراف الليبية أخيراً، مقابل الأداء "الهزيل" للدبلوماسية الرسمية في هذا المجال، وهو ما دفع البعض للحديث عن أن الغنوشي يتحرك كممثل للدولة التونسية، الأمر الذي نفاه وزير الخارجية خميّس الجهيناوي، مشيراً إلى أن الغنوشي يتحرك في إطار دعم الدبلوماسية الرسمية حول الأزمة الليبية. مبادرة الغنوشي فتحت "شهية" الأطراف السياسية الأخرى في تونس، التي عادة ما تتحرك بدافع "الغيرة" أو "التقليد"؛ حيث قام الأمين العام لحركة "مشروع تونس" مُحسن مرزوق، قبل أيام، بزيارة قائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر، المدعوم من حكومة طبرق، مشيراً إلى أن ما قام به تم في إطار مبادرة قائد السبسي، وبالتنسيق مع الدولة التونسية، وهو ما نفته الرئاسة التونسية لاحقاً، علماً أن مرزوق التقى -إثر عودته من ليبيا- الرئيس التونسي لإطلاعه على نتائج لقائه بحفتر، في وقت أكد فيه قائد السبسي استعداده للقاء الأخير في تونس إذا كان ذلك سيسهم في حل الأزمة الليبية المستمرة منذ ست سنوات. بعض المراقبين فسروا ما قام به مرزوق بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية على الصعيد المحلي والإقليمي، مؤكدين وجود صراع سياسي في تونس بين قطبين أساسيين (الإسلاميين وبقايا النظام السابق)؛ حيث يسعى مرزوق - الذي سبق له التأكيد مراراً أنه لن يتعامل مع حركة النهضة - إلى تأكيد نفسه كطرف قوي يحاول تحقيق التوازن مع الحركة الإسلامية، مستفيداً من الانقسام المستمر الذي يعيشه حزب "نداء تونس"، لكنهم شككوا بإمكانية نجاح هذا الأمر على المدى القريب، في ظل عدم وجود مستقبل سياسي لـ"جبهة الإنقاذ" التي أعلن مرزوق تشكيلها أخيراً مع بعض الأحزاب الهامشية وغير الفاعلة في المشهد التونسي. بقي أن نؤكد أن حل الأزمة الليبية هو هاجس يومي لتونس ودول الجوار، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية في هذه البلدان، حتى إن بعض المراقبين بات يربط نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة في تونس باستقرار الأوضاع في ليبيا، وهو أمر يبدو منطقياً في ظل التداخل الجغرافي الكبير والعلاقة التاريخية القديمة بين الشعبين التونسي والليبي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :