الجامعات الجزائرية تخلو تماما من كبار الأساتذة الأجانب المتخصصين في مختلف التخصصات العلمية والفكرية، وجراء هذا النقص الفادح نجد التعليم العالي الجزائري بكل شعبه وتخصصاته يفتقد إلى البيئة العلمية والفكرية المتقدمة.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/03/10، العدد: 10567، ص(15)] منذ ثلاثة أشهر تقريبا جمعتني جلسة بصديقي الطاهر حجار، وزير التعليم العالي الجزائري، وكان قبل ذلك بدقائق معدودة قد قدمني إلى وزير الدولة الأميركي للتعليم العالي وهو يودعه. بعد هذا اللقاء بأيام قليلة قمت مرّة أخرى بقراءة كتاب “القوة الناعمة” للمفكر الأميركي جوزيف ناي الذي عمل كعميد للمدرسة الحكومية بجامعة هارفارد الأميركية ومن ثم كرئيس لمجلس الأمن القومي الأميركي ومن بعد ذلك ككاتب دولة مساعد لوزير الدفاع في إدارة الرئيس بيل كلينتون. لقد توقفت عند جملة وردت فيه، وهي ذات أهمية استثنائية في تقديري، خاصة وأنها تبرز أن سياسات التعليم العالي بأميركا تنفذ استراتيجيات لاستقطاب أكبر الأساتذة والباحثين من دول العالم وتدفع إليهم أعلى المرتبات، فضلا عن توفير شتى المكافآت والإغراءات المادية والمعنوية لهم، وذلك من أجل ترقية جامعاتها وضمان تفوقها عالميا وتكوين الطلاب الأميركيين تكوينا علميا وفكريا جادا. تقول هذه الجملة بأن إحصائية في عام 2002 تؤكد أن “86 ألف مدرس من جنسيات أجنبية يعيشون في الولايات المتحدة ويعملون كأساتذة في مؤسسات التعليم العالي الأميركي”، وأنَ “الولايات المتحدة الأميركية تنشر الكتب أكثر من أي دولة في العالم”، وفي هذا الخصوص تفيد التقارير أن الجامعات الأميركية تساهم بحصة الأسد في إنتاج هذا الزخم من الكتب في مختلف التخصصات. وبالمقارنة فإن الجامعات الجزائرية تخلو تماما من كبار الأساتذة الأجانب المتخصصين في مختلف التخصصات العلمية والفكرية، وجراء هذا النقص الفادح نجد التعليم العالي الجزائري بكل شعبه وتخصصاته يفتقد إلى البيئة العلمية والفكرية المتقدمة، ويعود السبب جزئيا إلى غياب سياسات لاستقطاب الأساتذة الكبار الذين يملكون الكفاءة العالية لتكوين أجيال طلابنا تكوينا عالي المستوى، وجعل الإطارات الجزائرية تتفاعل معهم وتستفيد من فكرهم المتقدم ومن أساليبهم التعليمية المتطورة. ومما يؤسف له أن الكثير من الإطارات الجامعية الجزائرية من ذوي التكوين المتطور قد تعرضوا للتهميش، كما أغلقت أمامهم الأبواب في وطنهم، وأجبرهم ذلك على الهجرة إلى الجامعات ومراكز البحث العلمي في الخارج. إذا كانت أميركا المتقدمة في مختلف التخصصات الأكاديمية تستورد الكفاءات من العالم وتغريها بشتى الطرق، فما الذي يمنع الجزائر من خوض مثل هذه التجربة للارتقاء بتعليمها العالي وإخراجه من دائرة التخلف البنيوي الذي يعاني منه؟ فالأمم في عصرنا لا تتصارع فقط على مصادر الثروة المادية والنفوذ السياسي، بل إنها تتسابق إلى الاستحواذ على العلماء والمفكرين وكبار الباحثين الذين يلعبون أدوارا حاسمة في تأسيس القواعد الصلبة للفكر والعلم المنتجين للثروة والنفوذ أيضا. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :