هل المقصود بترشيح لوزراء تابعين لحزب جبهة التحرير الوطني ولأحزاب الموالاة هو السيطرة على البرلمان وحسم سيناريو تشكيل حكومة الأغلبية المنتظرة لقطع الطريق على الأحزاب الإسلامية. العربأزراج عمر [نُشرفي2017/02/16، العدد: 10545، ص(9)] تمثيل الشعب الجزائري، سواء في البرلمان أو في مجلس الأمة، كان دائما مجرد تضليل، ولعبة سياسية ماكرة لا تنطلي على أحد، لأن هاتين الهيئتين التشريعيتين مفرغتان مـن مضمونهما، ومن العمق الشعبي، حيث حولهما النظام الجزائري بتخطيط من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وجماعتـه، إلى منتجعيـن لأشخـاص لا علاقة لهم بقضايا المواطنين والمواطنـات. وأكثر من ذلك، فإن الصراع على المقاعد فيهما هو صراع على الامتيازات والنفوذ وعلى المرتبات الخيالية التي يتقاضاها كل نائب مدى الحياة. وفي الحقيقة فإن صفة البرلماني أو السيناتور ليست سوى لاصقة توفر لأصحابها الرفاه الاقتصادي والحصانة القانونية، على حساب الشعب الجزائري المفقَر، والغارق في الأزمات الاقتصادية المفروضة عليه. وهكذا فإن تقليد سيناريو الانتخابات التشريعية في الجزائر يرمي، دائما، إلى التحايل على الجزائريين بوهم الديمقراطية وما يسمى بالدولة الممثلة لشعبها، والدليل على ذلك هـو أن جميع التشـريعات والقـوانين التي خرجت من معطف البرلمان ومجلس الأمة هي في الواقع من وضع النظام الحاكم، ولم يشارك في مناقشتها وتزكيتها المواطنون، أو ممثلوهم في الجزائر العميقة. وجراء ذلك، فإن مؤسستي البرلمان ومجلس الأمة لا تحظيان لدى الجزائريين بأي ثقة. من المعروف أن الثلث الرئاسي المرسَم في الدستور الجزائري والذي يعين بمقتضاه رئيس الدولة شخصيات معينة ومقربة طبعا من أجهزة النظام الحاكم وتتوفر فيها الطاعة، في أعلى مناصب صنع القرار في هاتين المؤسستين، يقضي مباشرة على أبجـديات الديمقراطية ويتناقض تناقضا سافرا مع الاختيار الشعبي المباشر ومع المكاسب التي حققتها الأنظمة الديمقراطية في مجال تمثيل الشعب. وفي التحليل الأخير فإن فرض صيغة الثلث الرئاسي هذا، هو طمس لمفهوم ومضمون الانتخابات التي يفترض أنها تعبر عن الإرادة الشعبية. على ضوء كل ما تقدم، يبدو أن السباق الحالي الذي تشهده الأحزاب السياسية المعارضة، وتلك المصنفة في خانة الموالاة وبإيعاز من السلطة من دون شك، لضبط قوائم المترشحين للبرلمان يدخل في إطار محاولـة الـرئيس بوتفليقة وجمـاعته لتسويق صورة براقة عن تمثيل البـرلمان ومجلس الأمة للمواطنين وهي ليست كذلك بالمطلق. ففي هذا الأسبوع، أعلن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، أن عددا من الوزراء في حكومته، الذين هم طبعا مناضلون وقياديون في صفوف حزب جبهة التحرير الوطني، فضلا عـن وزراء أحـزاب المـوالاة مثـل حـزب التجمـع الوطني الديمقراطي بزعامة أحمد أويحيى، سيترشحون في الانتخابات التشريعية القادمة من أجل التموقع في البرلمان. وهناك إشاعات تروج أن الوزير الأول عبدالمالك سلال سوف يترشح أيضا لهذه الانتخابات في حـالة موافقة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على ذلك، ليضفي على نفسه الشرعية البرلمانية، إلى جانب سلطته التنفيذية. علما أن هذا الاحتمال لا يزال في خانة التوقعـات والتخمينات حتى هذه اللحظات. وهنا نتساءل هل المقصود بهذا الترشيح لوزراء تابعين لحزب جبهة التحرير الوطني ولأحزاب الموالاة، هو السيطرة على البرلمان وحسم سيناريو تشكيل حكومة الأغلبية المنتظرة أن تكون من أعضاء هذه التشكيلة لقطـع الطريق مسبقـا على الأحزاب الإسلامية التي تحاول في هذه الأيام جمع شملها والدخول في الانتخابات التشريعية كتشكيلة موحدة للمنافسة على الأغلبية البرلمانية؟ أم أن هذا التوجه الجديد يرمي في حقيقته إلى خلق نظام جديد يزاوج بين النظام الرئاسي والنظـام البرلمـاني، لإضفاء المزيد من الشرعية البرلمانية والتنفيذية المزدوجة لأحزاب الموالاة، قصد التحكم في كل مفاصل الدولة، على أساس هاتين الشرعيتين معا؟ في الحقيقة فإن السيناريو الذي يعده النظام الحاكم يهدف، بشكل ضمني، إلى تهيئة أحد من هؤلاء الوزراء لترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، بعد أن يكون قد تم تعميده بالشرعية الحزبية والبرلمانية معا. من الواضح أيضا أن الزج بوزراء الموالاة المدعوين بأصحاب الوزن الثقيل في الانتخابات التشريعية القادمة له علاقة بمخطط التخلي عن رئيس البرلمان الحالي، وهو محمد العربي ولد خليفة، الذي لا يملك قوة شعبية ضاغطة في المنطقة الأمازيغية التي ينتمي إليها من حيث النسب العائلي، أو رمزية نضالية في حزب جبهة التحرير الوطني الذي يسيطر عليه الجناح الوصي على تراث الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. وهكذا فـإن التلويح بتـرشيح الـوزير الأول عبـدالمالك سـلال للانتخابـات التشريعية أو وزراء آخرين عن أحزاب الموالاة، سوف يقضي بتعويض محمد العربي ولد خليفة بأحد هؤلاء على رأس البرلمان القادم، الذي سيطلب منه سنَ وتمرير قوانين جديدة تتصل بالانتخابات الرئاسية على نحو يضمن ذلك إزاحة كل الأسماء الكبيرة التي يمكن أن تنافس بشكل قوي أي مرشح عن أحزاب الموالاة على منصب رئيس الدولة والذي قد يكون ممثلا في الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه، إذا تعافى من مرضه، أو إحدى الشخصيات الأمنية أو العسكرية الكبيرة غير المستهلكة في المشهد السياسي الجزائري، وغير المورطة في الملفات القذرة طيلة فترة العشرية الدموية، وفي الفساد المالي، والتي يرضى عنها بوتفليقة وجماعته. كاتب جزائري أزراج عمر
مشاركة :