السبب الجوهري في ضعف السياسة الخارجية الجزائرية لا يعود إلى ضعف الأشخاص المكونين للطاقم الدبلوماسي، وإنما يرجع إلى انعدام مشروع جزائري له خصوصيته وفرادته وله جاذبيته ثقافيا وتعليميا وتكنولوجيا.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/11/23، العدد: 10821، ص(9)] ما هو التفسير الذي يمكن أن يقدمه المراقب السياسي للطريق المسدودة التي تخنق أنفاس السياسة الخارجية الجزائرية في مرحلة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، علما أن هذا الأخير نشط لمدة طويلة كوزير للخارجية في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين وأنجز حينذاك حضورا معتبرا نسبيا في الساحة العربية والأفريقية بشكل خاص وفي الفضاء الدولي أيضا؟ وهل يمكن إعادة هذا التململ في السياسة الخارجية الجزائرية الراهنة إلى الضعف الذي ما فتئ ينخر جسد الدولة الجزائرية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بسبب عدة عوامل وفي مقدمتها تداعيات الهزة الكبرى التي هزت أركان المجتمع الجزائري طوال فترة العشرية الدموية من جهة، وإلى التغيرات المفصلية التي شهدها العالم منذ ثمانينات القرن الماضي، وخاصة تفكك المنظومة الاشتراكية وبروز القطبية الرأسمالية الأميركية الأحادية على المسرح الدولي من جهة أخرى؟ كيف نؤول ما حدث في السنوات الماضية، وفي هذا الأسبوع أيضا، من ممارسات تطرح عدة علامات استفهام بخصوص السياسة الخارجية الجزائرية؟ ففي هذا الأسبوع تمَ السماح لعلي حداد، رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، بعقد لقاء رسمي مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في الولايات المتحدة الأميركية في غياب وزير خارجية الجزائر أو شخصية دبلوماسية محورية أخرى تمثل الدبلوماسية الجزائرية، علما أنَ علي حداد ليس سوى مجرد تاجر حديث العهد ولا يتمتع بالصفة الدبلوماسية؟ وماذا عن ممارسة النظام الجزائري لآلية سحب وزير خارجيته، عبدالقادر مساهل، من المشاركة بصفته الشخصية في الاجتماع الذي جرى في الأيام القليلة الماضية بمقر الجامعة العربية وتعويضه بسفير الجزائر الأقل درجة منه والذي اكتفى بتسجيل حضور هلامي عبر تقديم المواقف التوفيقية؟ وبخصوص علي حداد فإنه يمكن للمرء أن يستنتج أن النظام الجزائري لم يعد يميز، أو أنه يرفض أن يميز، بين الصفة الدبلوماسية وبين صفة المبعوث التجاري والمالي المحض، وهو بذلك يخلط بين هذه المهام وبين الأدوار والتقاليد المختلفة أو يبدو ربما، أنه يقوم بشكل مضمر بتمرينات دبلوماسية للحداد قصد إعداده لمنصب دبلوماسي قد يسند إليه في المستقبل القريب. أما في ما يتصل بموقف النظام الجزائري من منع وزير خارجيته من تمثيل الجزائر في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالجامعة العربية، فيظهر أن النظام الجزائري أصبح يميل إلى ممارسة هواية الجلوس في المنطقة الرمادية بدلا من اتخاذ المواقف السياسية والدبلوماسية الواضحة والمبدئية في داخل هذه المنظمة العربية وعلى أساس التمثيل الدبلوماسي ذي العيار الثقيل؟ وفي الحقيقة فإن ما يحدث الآن من تناقضات وتململ داخل نسيج السياسية الخارجية الجزائرية لم يأت من فراغ بل هو نتاج للتغيرات الدراماتيكية التي شهدتها الجزائر، جرّاء تضافر عدة عوامل وفي مقدمتها الحرب الدموية المدعوة في الأدبيات الجزائرية بالعشرية السوداء والتي انفجرت بين النظام الجزائري وبين جبهة الإنقاذ الإسلامية وأجنحتها المسلحة، فضلا عن التداعيات النفسية التي تولدت عن تلك الأحداث المأساوية لدى قطاع معتبر من الجزائريين والتي أخذت شكل الانسحاب النفسي من العالم العربي الذي قد نظر إليه من طرف أجزاء من النخب الجزائرية بأنه تنزه على المأساة من بعيد، ولم يلعب دورا حاسما في خلق الشروط والظروف الملائمة لوقف النزيف الدموي الجزائري – الجزائري. إلى جانب ما تقدّم فإن الانتقال من طور الحزب الواحد وعقيدته المتمثلة في النظام المركزي الاشتراكي الغارق في التقليدية، إلى طور نظام اقتصاد السوق التقليدي وعقيدته الرأسمالية الاستغلالية قد ساهم ولا يزال يساهم في خلط أوراق السياسة الخارجية الجزائرية. بناء على هذه المعطيات يمكن للمحلل السياسي أن يفهم الأسباب العميقة التي أفرزت توجهات السياسة الخارجية الجزائرية في السنوات الأخيرة، إذ لا شك أن ثمة أسبابا أخرى تضاف إلى ركام الأسباب المذكورة آنفا، وفي صدارتها عدم قدرة الجزائر على إنجاز تجربة اقتصادية وثقافية وإعلامية مبتكرة مترجمة في نموذج فكري سياسي نظري وعملي له تأثير حقيقي في مزاج المواطنين في الفضاء المغاربي وفي المشرق العربي، وفي قارتي آسيا وأفريقيا، وفي أميركا اللاتينية وفي أوروبا والغرب بصفة عامة. إن العجز الجزائري عن بناء مؤسسات تتولى تنفيذ استراتيجيات عناصر القوة الناعمة محليا وخارج الحدود الوطنية انعكس سلبا على السياسة الخارجية الجزائرية، الأمر الذي كرّس الجمود في مفاصل مؤسستها الدبلوماسية وحرمها من المساهمة الجادة في المساهمة في رسم معمار متطور لشبكة العلاقات المادية والرمزية على المستوى المغاربي وفي الساحة العربية وعلى مستوى المسرح الدولي بشكل عام. وهكذا يصح القول بأن السبب الجوهري في ضعف السياسة الخارجية الجزائرية لا يعود إلى ضعف الأشخاص المكوّنين للطاقم الدبلوماسي المسؤول على التخطيط للسياسية الخارجية الجزائرية وعلى آليات تنفيذها فقط، وإنما يرجع إلى انعدام مشروع جزائري له خصوصيته وفرادته وله جاذبيته ثقافيا وتعليميا وتكنولوجيا. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :