لن يبحث العالم عنا. الآلافُ من الترجمات من مختلف الشعريات العالمية قد تُغنيه عن ذلك، أما الانفتاح على الآخر فيبدأ من بيتنا الداخلي.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/03/11، العدد: 10568، ص(17)] يحمل “تقريرُ النشر والكتاب” الخاص بالسنتين الأخيرتين، الذي أطلقته مؤسسةُ الملك عبدالعزيز بالدار البيضاء، الكثير من الإضاءات على تحولات وضعية إنتاج الكتاب بالمغرب. ولعل من أهم علامات ذلك التطور الذي عرفه مجالُ الترجمة، حيث حققَ انتقالا بنسبة تقاربُ الخمسين في المئة بالمقارنة مع السنة السابقة. وبالرغم من هذا التطور الهام، يبدو مجال ترجمة الشعر المغربي إلى لغات أخرى الحلقةَ الأضعف، وهو الأمر الذي لا يوازي ما يصدر بشكل متواتر على مستوى الأعمال الشعرية بالمغرب. والحقيقةُ أن ذلك كان دائما هو وضع ترجمة الشعر المغربي، ولعه أيضا يهم الشعر العربي بشكل عام. قبل سنوات، كتب الشاعر المغربي عبدالله زريقة في وصف وضعه داخل المشهد الشعري خلال سبعينات القرن الماضي، أنه دخل غرفةً يملؤها الصراخ فبدأ يصرخ بدوره. والذي حدث بعد مرور ثلاثة عقود على تلك اللحظة أن لغة الاحتجاج خفتت وتحولت أشياءٌ كثيرة واستُبدِلَت قناعاتٌ، بينما ظلتْ الغرفةُ ذاتها قائمة بأبوابها المغلقة دائما. هي نفسُها الغرفةُ التي يقبعُ داخلها شعراءُ اللغة العربية، بعيدا عما يُفتَرض أن يكون حوارا متبادلا مع العالم. وإذا كان الكثيرون يُروجون لمزحة تزعم أن الشعر العربي قد اجتاح العالم بفضل الترجمات التي تُنشر هنا أو هناك أو بفضل المهرجانات الشعرية العالمية وبضعةِ أسابيع ثقافية يحضرها جمهورٌ نصفُه من رجال مخابرات البلد المضيف، فإن الحقيقة غير ذلك. فالعشرات من الترجمات، التي لا يتجاوز سحْب كل منها الألف نسخة، وحضور بضعة أسماء في مهرجانات متفرقة، لن يكفيان بالتأكيد لإعطاء صورة واضحة عن حركية الشعر العربي لدى الآخر. ثم إن أثر هذا الحضور على مستوى المهرجانات، لا يتجاوز في غالب الأحيان انطباعات سطحية لدى الشعراء الأجانب بحكم كونها قراءات سريعة، أمام جمهور معدود في غالب الأحيان، لا تكفي لنسج تواصل أعمق. وفي حوارات جمعتني بأكثر من ثلاثين شاعرا أجنبيا من مجمل القارات، اقتربتُ أكثر من هذا الجهل الذي يحكم صورتنا لدى العديدين منهم. لننصت إلى جواب دَالٍّ للشاعر المالطي إمانويل مِفسود “الحقيقة أننا نجهل الأدب العربي. وهو أمر مفارقٌ، ذلك لكوني أحتاج إلى أربعين دقيقة للوصول، عبر الطائرة، إلى تونس وربما أقل بالنسبة إلى دولة عربية أخرى”. وإذا كانت معرفة إيمانويل مِفسود بالشعر والثقافة العربيين، وهو المنتمي إلى لغة أكثرُ من نصف مفرداتها ينحدر من اللغة العربية، على هذا الحال، فلنا أن نتصور مستويات معرفة شعراء مازالوا يتخيلون الشرق، كناية عن العالم العربي، كما لو أنه فصل من حكاية أسطورية لم تنته بعد. ولذلك كان عاديا ألا تتجاوز الأجوبة في أحسن الأحوال حديثا عن إعجاب بألف ليلة وليلة وبرباعيات الخيام! لن يبحث العالم عنا. الآلافُ من الترجمات من مختلف الشعريات العالمية قد تُغنيه عن ذلك، أما الانفتاح على الآخر فيبدأ من بيتنا الداخلي. كاتب من المغربحسن الوزاني
مشاركة :