جزء من هذه الحقيقة يكمن في طبيعة مجال الكتابة الشعرية، حيث يسبق الرمزيُ الجانبَ الاقتصادي، كما يقر بذلك بيير بورديو.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/07/08، العدد: 10685، ص(17)] تكشف آخر ببليوغرافيا تخص الشعر المعاصر المغربي، وهي التي أنجزها الباحث محمد القاسمي بطلب من وزارة الثقافة المغربية، عن حقيقة استمرار الشعر المغربي في تحقيق تراكم كمي مدهش، وذلك بشكل مفارق، من جهة لحقيقة وضع تداوله، ومن جهة أخرى للحديث الراهن عن نهاية الشعر لصالح ما تحققُه الرواية. وارتباطا بذلك، جاوزَ ما صدر خلال السنوات الست الأخيرة الثماني مئةَ عمل، وهو ما يشْغَل أكثرَ من ثلث ما نُشر بالمغرب خلال التسعين سنة السابقة. ولعل نفس الوضع يهم بقية الدول العربية الأخرى. غير أنه بالرغم من أهمية هذه الأرقام، فإنها تُخفي وراءها حقيقة قد تبدو صادمة؛ إذ أن أغلب ما يُنشر، سواء في المغرب أو في بقية الدول العربية، ينتهي عند عتبة المطبعة، وذلك إما لانسحاب أغلب الناشرين من مجال نشر الشعر، أو لإحجام الموزعين عن ضمان تداول الأعمال الشعرية، أو لأن أغلب ما يصدر يتم في إطار النشر على نفقة المؤفين، وهو ما يقتل الكتاب، إلا في حالات استثنائية. وفوق ذلك، يبدو التزايدُ المتواتر في الإصدارات الشعرية، مقارنة مع الإنتاج في بقية الأجناس الأدبية الأخرى، مفارقا لإسهام الإنتاج الشعري على مستوى اقتصاديات الكتاب. ولعله ينحصر فقط في تحريك المطابع، إذ يقارب ما صدر عنها، في حالة المغرب، خلال السنوات الست المُشار إليها، المليون نسخة. بينما لا يصل الإسهامُ إلى بقية حلقات صناعة الكتاب، خصوصا مع هيمنة ظاهرة الطبع على نفقة المؤلف. وبذلك تبدو الصورة كما لو أن الكثير من الشعراء يستمرون، بدون يأس، في إصدار أعمال يعرفون أنها لن تصل إلى قرائها الحقيقيين. جزء من هذه الحقيقة يكمن في طبيعة مجال الكتابة الشعرية، حيث يسبق الرمزيُ الجانبَ الاقتصادي، كما يقر بذلك بيير بورديو. ويقتضي ذلك من الشاعر نَفسا أطول لتكريس مكانته الاعتبارية. ولذلك يندر أن يحظى الشعراء الجدد ببعض الأضواء منذ أعمالهم الأولى، أو أن نجد أعمالا شعرية ضمن لوائح الكتب الأكثر مبيعا المعلَن عنها بشكل منتظم، أو أن نجد شاعرا كبيرا يحقق التوافق عليه من طرف كل النقاد وخصوصا من طرف الشعراء الذين يبدون في الكثير من الأحيان أكثر قساوة من النقاد. ولذلك، يبدو طبيعيا أن يشكل وضع الشعر أمرا مشتركا على مستوى الجغرافيات الشعرية العالمية، حيث تستمر القصيدة في نسج حضورها الخاص بطرقها المختلفة، في اللحظة التي انسحبتْ خلالها دور النشر الكبرى من مجال نشر الشعر. أما الأمرُ الذي لا يبدو طبيعيا فهو أن يستعجل كثيرٌ من الشعراء مراكمةَ الرأسمالَ الرمزي الذي تحدث عنه بيير بورديو، ولو كان ذلك على حساب كائن هش وحصين في الآن نفسه، اسمه القصيدة. كاتب مغربي حسن الوزاني
مشاركة :