المجلة ليست فقط عنوانا وورقا صقيلا. إنها، أكثر من ذلك، فكرة قد تكبر لكي تصير مشروعا يتبناه القارئ قبل صاحب المجلة.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2018/01/27، العدد: 10882، ص(15)] تبدو المجلات، بخلاف عدد من الوسائط، ومنها الكِتاب، تماما ككائنات حية. تولد وتكبر وتغير اسمها وتموت. ومنها ما يظهر ليختفي ومنها ما يُعمر ليتجاوز أعمارَ قرائها. ومنها ما يرتبط بالأفراد ومنها ما تلتئم حوله الجماعات. وانسجاما مع ذلك، كانت المجلات تشكل المعبرَ الأساسي لولادة الأجيال الأدبية أو الثقافية، خصوصا في الوقت الذي كان فيه مشهد النشر منكفئا على نفسه وغير قادر على مسايرة إيقاع الأفكار وتداولها ووتيرة الإنتاج. ولذلك، كان عاديا أن تمثل المجلات الموئلَ الأفضل الذي تتحلق حوله الجماعات الأدبية والثقافية. ولعل ذلك ما تعكسه، على سبيل المثال، تجربة مجلة “أنفاس” المغربية، التي كان قد أصدرها في نهاية ستينات القرن الماضي الشاعر عبداللطيف اللعبي، رفقة مصطفى النيسابوري ومحمد خيرالدين، مدفوعين في ذلك برغبتهم في تحديث مشهد ثقافي خارج للتو من قبضة الاستعمار، لتتحول المجلة بعد ذلك إلى صوت لجيل طليعي أدبي، وفي نفس الوقت إلى صوت غير معلَن لحركة سياسية يسارية. ولذلك لم يكن غريبا أن تتحول المجلة التي بدأت كمشروع ثقافي إلى وسيلة إثبات ضدّ عدد من المتهمين السياسيين، وعلى رأسهم عبداللطيف اللعبي، في محاكمة سنة 1973. يحدث كثيرا أن ترتبط المجلة بأصحابها. وإذا كان ذلك يمنح للمجلة قوة تستمدها من الحماس الذي يطبع عمل أصحابها، فإنه يشكل في نفس الوقت مصدرا لهشاشتها. إذ أن الكثير من المجلات تضعف أو تزول بهوان أو رحيل أصحابها. وكان ذلك مآل عدد من المجلات الأدبية والثقافية التي طبعت مشهد النشر بالعالم العربي، ومن ذلك مجلة “شعر” التي توقفت بعد أن غرق مؤسسها الشاعر يوسف الخال في الديون بحكم سوء توزيع المجلة في العالم العربي. في مقابل ذلك، ثمة مجلات تستمد قوتها ونفَسها الطويل من انتمائها إلى المؤسسة. ولعل ذلك هو حال مجلة الماغزين لتيرير الفرنسية التي راكمت أكثر من خمسين سنة من الصدور. وخلال هذه المدة تغير رؤساء التحرير وتغير الصحافيون وتغير حجم المجلة وتغير خط التحرير. أما الثابت فهو استمرار حياة المجلة وقوتها ووفاء قرائها. حينما تموت مجلة ما، يبدو من العسير إحياءها. ذلك لأنها ترتبط بلحظتها الثقافية. لنتخيل أننا أفقنا على عدد جديد في السوق من مجلة الثقافة الجديدة أو مجلة لاماليف أو الناقد أو غيرها من المجلات التي كُتب لها أن تتوقف بقرار من أصحابها أو بقرار إداري مزاجي. الأغلب أن لا أحد يضمن لها أن تستعيد تألقها الذي عاشته أثناء حياتها السابقة. ولذلك يمتنع أغلب أصحاب المجلات المتوقفة عن التفكير في إحيائها. وذلك ليس من باب غياب الإمكانيات، وإنما من باب الخوف من فشل مفترَض. فالمجلة ليست فقط عنوانا وورقا صقيلا. إنها، أكثر من ذلك، فكرة قد تكبر لكي تصير مشروعا يتبناه القارئ قبل صاحب المجلة. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :