“مصائب قوم عند قوم فوائد“. مثل قد ينطبق على مشروع لكاتبة ألمانية-مغربية، حولت مصطلح “نافري” إلى علامة تجارية للملابس. والأهداف أبعد من التجارة وجني الأرباح. DW زارتها واطلعت على المشروع وعلى عينة من ردود الفعل. مصطلح “نافريس” جاء وقعه على نادية دكالي مختلفا عما شعر به كثير من المغاربيين، الذين أبدوا استياءهم من وصف الشرطة الألمانية لمجموعات من شمال إفريقيا بـ”نافريس” ليلة رأس السنة بكولونيا. فنظرة الكاتبة الألمانية من أصول مغربية لهذا المصطلح اختلفت تماماً، كما جاء في بداية حديثها لـDW عربية: “ربما أكون من القلة القليلة من المغاربيين، الذين اختلفت نظرتهم لمصطلح “نافريس“. فبحكم عملي في تشكيل الكلمات، أدرك تماماً مدى قوة وتأثير الكلمات سواء بالسلب أو الإيجاب على الناس. صحيح أن المصطلح استُعمل كختم ويضع الجميع في سلة واحدة، لكن فور سماعي به، وجدت أنه يمكن أن يكون له جانب إيجابي، ومن هنا جاءت فكرة ‚نافري‘”. “نافري“.. تسويق تجاري للأفكار الإيجابية “أحب نافري”، فكرة خطرت لنادية، ليلة رأس السنة، أثناء بحثها عن الجانب الإيجابي لمصطلح “نافري”، فطرحتها على زميلها في العمل المصمم الألماني سيبستيان فايغلت ومن ثم خرجت هذه الفكرة إلى النور على شكل تصاميم يحبها الشباب والأطفال كـ”التيشرتات” والقبعات الرياضية والإكسسوارات المختلفة. تقول نادية، 45 عاماً وأم لثلاثة أطفال، إنه بحكم عملها ككاتبة للأطفال والشباب تدرك جيداً مدى حاجة هذه الفئة إلى التوعية لكن بأسلوب محبب وتقول: “نحن نعيش في زمن نطرح فيه دائما التساؤل ذاته لماذا هناك الكثير من النقاشات ولا نخرج منها بحلول؟ بعد هذا التساؤل فكرت في أفضل السبل للوصول إلى الشباب في عصر اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي ومدونات الموضة والجمال والاستفادة من كل هذا واستثماره في التسويق للأفكار الإيجابية“. وتسعى نادية إلى مواجهة العنصرية والأحكام المسبقة، من خلال علامة الملابس “نافري”: “حاليا يتم الاستفادة من التسويق التجاري لتسويق الأفكار الإيجابية أيضاً، كما حدث مؤخرا في الإعلان الخاص بشركة أمازون مع الإمام والراهب. فمن خلال هذه القصص القصيرة نستطيع إيصال رسائل مهمة تحرك المشاعر والشيء ذاته يحدث من خلال الملابس“. جانب من التصميمات التي اعتمدتها نادية في مشروعها وتوضح نادية بالتفصيل الهدف المنشود من المبادرة بتخيل ردود الفعل عندما يحين فصل الصيف ويرتدي العديد من الأطفال والشباب أو حتى كبار السن تصاميم “نافري”، “بالتأكيد ستثير التصاميم الإعجاب ومن هنا يمكن أن نحول المصطلح الذي له وقع سلبي إلى مصطلح ذي معنى إيجابي عندما يُخلق الحوار من تلقاء نفسه ويحدث التأثير الإيجابي. وهذا بالضبط ما نهدف له”. وترى نادية أنها لم تكن لتصل إلى هذا الهدف لو أنها قدمت نفسها كنادية دكالي الكاتبة، التي تجري المقابلات والحوارات: ”يجب أن نفكر خارج الصندوق، ونواجه السلبية بالإيجابية كما يجب منح الآخر الحرية في الاقتناع الذاتي”. أنا “نافري” و لست مجرماً نادية التي تشعر بالارتباط بمصطلح نافري، فهي تعتبر انتماءها إلى البلدين المغرب وألمانيا ميزة لها، تنفي تعرضها شخصياً لأي موقف عنصري وتعزو ذلك بالأساس إلى كونها امرأة، تُعامل غالبا بلطف في المجتمع بعكس الرجل، وتقول: “شكلي لا يوحي بالضرورة بأنني مسلمة لأني لا أرتدي الحجاب، وأتحدث الألمانية بطلاقة، كما أن المرأة عموماً تُعامل بلطف أكثر، بعكس الرجل أو المرأة التي ترتدي الحجاب أو ذوي البشرة السمراء، فهم الأكثر عرضة للمواقف العنصرية”. في المقابل تذكر نادية أن عائلتها لم تسلم من التمييز العنصري، بالأخص أولادها لأنهم يحملون أسماء وملامح عربية، ووالدها أيضا بسبب عدم إتقانه للغة الألمانية وكذلك الأمر بالنسبة لوالدتها، التي تتضرر من العنصرية بسبب حجابها. وتحاول نادية الاستفادة من ميزة كونها غير مستهدفة، في مساعدة المتضررين من العنصرية، بحسب قولها. وعبرت الكاتبة الألمانية-المغربية عن سخطها عند الحديث عن الجرائم وربطها بشباب “يحملون ملامح شمال إفريقية” والخلط بين المغاربيين والجنسيات الأخرى، التي يتقاسم أبناؤها مع المغاربيين غالباً نفس الملامح كالأفغان والأتراك واللبنانيين والسوريين ولكن تختلف اللغات واللهجات والعادات: “لا أفهم لماذا يتم وضعنا في سلة واحدة مع باقي المجرمين وإطلاق مصطلح “نافري” علينا جميعاً، فأغلب الألمان من أصول مغاربية لا علاقة لهم بالإجرام، وهم من الكفاءات، التي تستفيد منها ألمانيا ولهذا أحاول توضيح ذلك من خلال هذه المبادرة وإيصال رسالة مفادها ‚أنا نافري ولست مجرما‘”. هدف المبادرة ..بين التسويق التجاري وتصحيح الصورة وتبايت ردود فعل الشباب المغاربي والألماني على مبادرة “نافري”، بين مرحب يشيد بالفكرة ويثني على هدفها، وآخرون يرون أنها تقتصر على التسويق التجاري ولا تقدم تغييراً ملموساً. نادية دكالي، صاحبة مشروع "أحب نافري" وعن هذه المبادرة وغيرها من المبادرات المماثلة يرى خالد كحولي، وهو طالب تونسي ببرلين، أنهبعد المتغيرات والأحداث الأخيرة التي جدّت بألمانيا وما شهدته الجالية المغاربية من تضييقات وصلت إلى حد تسميتها بـ “نافريس” أصبح على الفاعلين والنشطاء المغاربيين التفاعل والتحرك أكثر لمجابهة مثل هذه الممارسات والتسميات المسلطة عليهم. ويشير المدون الشاب، والناشط بالمؤسسة الألمانية المغاربية للثقافة والإعلام في حديثه لـDW، إلى أن مبادرة صناعة ملابس تحمل عبارة "نافري” تعتبر ردة فعل إيجابية أولاً للفت النظر للقضية، وثانياً هي طريقة استهزائية كاريكاتورية تبين للرأي العام عدم قبول مثل هذه التسميات وهذه الصفات "العنصرية"، لكنها تظل مبادرات رمزية بحسب رأيه، ”نظراً لنوعية المبادرة يمكن أن تكون رسالة ناجعة للجانب الألماني وتساهم بطريقة ما في تبديد واحتقار لهذا المصطلح، ولكنها تبقى مبادرة رمزية تظهر مدى حركية المجتمع المدني المغاربي في ألمانيا وتظل منقوصة تنتظر المزيد من التحرك وخلق مبادرات أخرى نوعية". في المقابل يرى إدريس، وهو طالب مغربي بألمانيا، أنه لا يمكن الحديث بسهولة عن العنصرية لاستخدام الشرطة الألمانية مصطلح “نافريس”، فهم على حق أيضاً ولا يمكن إنكار وجود فئات مخربة، كما حمّل الطالب المغربي الإعلام الألماني مسؤولية تضخيم هذا المصطلح وإعطائه أكثر من حجمه وعن رأيه بمبادرة “نافري” قال إدريس لـDW عربية: “أعتقد أن مبادرة “نافري” لا يمكنها إحداث أي تغيير في الرأي العام”. ناديا، فتاة ألمانية من أصول سورية ترتدي "تيشيرت" من منتوجات المشروع أما هشام عبيدي، وهو شاب مغربي، يحمل الجنسية الألمانية ويعمل كمرشد تربوي منذ سنوات بألمانيا، فيعتقد أن كل شخص ينتمي بشكل أو بآخر لشمال إفريقيا كانت له ردة فعل معينة تعكس لحد ما مجال اهتمامه. وعن مشروع نادية يقول: “نادية دكالي اقتنصت الكلمة وصنعت منها فكرة تهدف إلى جعل الشباب المغاربي يفتخر بأصوله عن طريق اقتناء ملابس تحمل كلمة "نافري" مقرونة بخارطة إفريقيا أو برموز تدل على القوة و الوحدة، واستطاعت أن تحول الكلمة من السلبية إلى الإيجابية، على الأقل في دوائر الشباب المتحمس للفكرة والباحث عن هويته في رموز انتمائية يفتخر بها على غرار الانتماء لفريق رياضي أو حركة سياسية معينة“. وبحسب عبيدي يُعتبر هذا الشيء مقبولا ويندرج تحت حرية التعبير، بغض النظر عن الهدف التسويقي، لكن الشيء غير المقبول بالنسبة له هو أن يتم استغلال هذه الكلمة أو مثيلاتها من طرف الدوائر الرسمية كالشرطة و الأحزاب السياسية، كما حدث بعد ليلة رأس السنة في كولونيا. ولم تختلف ردود الفعل في الأوساط الألمانية حيث جاءت متنوعة أيضا. فالعديد من الزبائن الألمان عبروا عن حماسهم لاقتناء تصاميم تحمل مصطلح “نافريس”، ورحبوا بالفكرة، كما انتقد البعض الآخر بشدة الهدف التسويقي للمبادرة. سيمون، سيدة أعمال ألمانية تعبر عن إعجابها الشديد بفكرة المبادرة وتعلن عن استعدادها لدعم ومساندة نادية دكالي في مسيرتها لنشر الإيجابية بالرغم من الانتقادات. وتعرفت الشابة الألمانية ناديا، المولودة من أبويين سوريين، على المبادرة من مواقع التواصل الاجتماعي واقتنت أحد التصاميم وقامت بإرسال صورة لها نشرت على الصفحة الخاصة بالمبادرة على الفيسبوك للتعبير عن إعجابها بالمبادرة. وتعتقد أن نجاح المبادرة في ترك أثر ضد العنصرية يتعلق بعوامل كثيرة، لكنها نجحت في إضفاء الإيجابية على المصطلح “العنصري” وتضيف الشابة الألمانية لـDW عربية: “نادية دكالي تمكنت بذكاء وبشكل فني وكوميدي من إضفاء الإيجابية على مصطلح سلبي بطريقة مست الجميع”. الإقبال في تزايد رغم الانتقادات وتصف دكالي الإقبال المتزايد على التصاميم بـ”الجيد”، بالرغم من الانتقادات التي تظهر على الصفحة الخاصة بالمبادرة على الفيسبوك والتي تدور في أغلبها حول الهدف الحقيقي من وراء هذا المشروع واقتصاره على الربح المادي. وترد على ذلك: ”نحن لا نحقق لحد الآن أرباحا عالية، لأننا منذ انطلاقنا لحد الآن لم نتمكن في هذا الوقت الوجيز من بيع الكثير وفي حالة ارتفاع المبيعات فستخصص العائدات للمشاريع الاجتماعية”. وتصف دكالي تعاملهم مع الانتقادات العنصرية على الإنترنت بنفس طريقة التعامل مع الأعشاب الضارة، التي يتوجب إبعادها على الفور”لا نستطيع رؤية التقليل من قيمة أي إنسان بسبب مظهره أو دينه أو ميوله الجنسية أو لونه. نحن سواسية فنولد ونموت بالطريقة ذاتها، في المقابل نفتح باب النقاش لمن يريد ذلك، لأننا نؤمن بشدة أنه يجب علينا الحديث بشكل دائم مع بعضنا بدلا من الحديث عن بعضنا”. إيمان ملوك
مشاركة :