الكثير من الاستطلاعات والآراء التي كتبت من أجل الخروج بنتيجة معيارية حول أداء المعرض ومدى نجاحه من فشله يغلب عليها التطبيل العالي، والمجاملات المصطنعة.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/03/15، العدد: 10572، ص(14)] مع معرض الرياض للكتاب يشغلني السؤال نفسه كلّ عام، حول المعايير التي يجب أن نقف عليها عندما نقول “إن المعرض كان ناجحا”. هل هي معايير اقتصادية لها علاقة بنسبة المبيعات المرتفعة أو المنخفضة، أم هي في حضور البرامج الثقافية والورش المتنوعة، أم في عدد الزوار، أم في غياب الرقيب، أم في حرية الكتاب والكاتب والكلمة والتعبير، أم في عدم وجود أي عنصر قريب أو بعيد من الممكن أن يعكّر صفو المسؤولين والمنظمين في الوزارة، أم أن المعايير تكمن في منطقة أخرى؟ في استطلاع سريع قامت به إحدى الصحف المحلية السعودية قيّم عدد من مدراء دور النشر العربية المعرض على أنه “ناجح”، وبالطبع، كانت تعبيراتهم عن معايير النجاح متفاوتة بين العمق والسطحية، فقد اتخذت صورا مختلفة بناءً على ما يراه كل واحد منهم مناسبا لمصلحته ولمصلحة داره. البعض -مثلا- اعتبر أن توفير الأكياس ودفاتر الفواتير ومستلزمات الدار هو مؤشر النجاح لديه، والبعض الآخر قدّر للمنظمين تقليص دور النشر من قرابة ألف إلى أقل من 500 دار، معتبرا ذلك فرصة للدور المهمة (ويعني بها داره) للمشاركة دون أن تفسد عليه الدور الأخرى فرصة المبيعات الفلكية التي سيغتنمها في غيابها، ناسيا أو متناسيا أن بعض الدور المحرومة من المشاركة قد تكون أهم بمراحل من داره ذات الكتب المسالمة والمهذبة والتي غالبا ما أتت عناوينها على مقاس الرقيب. وهنالك من قدّم رأيه بصورة مباشرة حين رأى القوة الشرائية في تزايد مستمر، وهذا هو النجاح في تصوره، ولكن، من بين جميع الآراء التي قدّمها الاستطلاع لفت انتباهي رأي غريب لعارض لبناني مخضرم، عدّ فيه القارئ السعودي قارئا مهما ونوعيا في توجهه هذا العام للفلسفة على حساب الرواية. وهذا الرأي جاء خارج السياق. الكثير من الاستطلاعات والآراء التي كتبت من أجل الخروج بنتيجة معيارية حول أداء المعرض ومدى نجاحه من فشله يغلب عليها التطبيل العالي، والمجاملات المصطنعة، أو العلاقات الشخصية المنحازة، لهذا لم يكن بعيدا عن هذه النتيجة استطلاع صحافي آخر قامت به صحيفة محلية أخرى مع بعض المثقفين السعوديين المدعوين للمعرض على حساب الوزارة، حيث اتفقوا جميعا بلا استثناء على نجاح المعرض وتميزه السنوي إدارة وتنظيما وضيافة. (وأرجوك ركّز على الضيافة). هل علينا أن نقبل ونسلم باستطلاعات صحافية تابعة لوزارة الثقافة والإعلام دون أن نحاكمها أو نسائلها؟ وهل علينا أن نردد معهم أيضا الديباجة نفسها القائلة بأن المعرض كان ناجحا وأنه أصبح علامة بارزة في المشهد الثقافي السعودي، بل والعربي؟ هل نغمض أعيننا في وجه الحقيقة؟ وننسى حقيقة ما نحن عليه من تراتبية في المشهد العالمي والعربي؟ أم أنه يجب علينا أن نحافظ على ما تبقّى من ماء وجوهنا، وأن نتوقف –فورا- عن تلميع أنفسنا، ونواجه واقعنا الثقافي الخائف والخائب والمأزوم، ونلفت إلى أننا طالما حجزنا الكتاب والكاتب في القفص لن يكون معرضنا سوى دكان كبير لبيع الكتب، يلتقي فيه الغرباء، في “حفلة التفاهة”، كما يعبّر ميلان كونديرا، لأخذ سيلفي جماعي، يقف داخل بروازه العارضون والزوّار والمنظمون والمحتسبون وضيوف المعرض وهم يبتسمون أمام الكاميرا، بينما الكتاب وحده يقف خارج البرواز. شاعر من السعوديةزكي الصدير
مشاركة :