"مدائن ما بعد الكارثة" دليل الشعراء إلى كتابة الشعر بقلم: زكي الصدير

  • 5/1/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر البحريني أحمد رضي يؤكد على انتهاء دور الشاعر الذي كان في يوم ما يحرّك الجماهير، ويتملّق الحكّام، ذلك الشاعر الذي يعيد إنتاج الخديعة.العرب زكي الصدير [نُشر في 2017/05/01، العدد: 10619، ص(15)]الشعر يجب أن يكون فعلاً نقدياً كشفياً في حديثه عن “مدن المستقبل: حديث السعادة” يستفتح الشاعر البحريني أحمد رضي (مواليد 1981) مجموعته الشعرية “مدائن ما بعد الكارثة” بمقطع قصير من قصيدة “إيثاكا” للشاعر قسطنطين كفافي، متخذاً منه عتبة نصية يؤطر من خلالها مناطق اشتغاله على سؤال الوجود الشعري المرتبط بالزمان وبالمدن والتزاماتها التاريخية والاجتماعية، سواء تلك المدن التي ترتبط بوجودها الكينوني المطلق، أو التي ترتبط بوجودها التصوري كما يعبّر عبدالرحمن بدوي في “الزمان الوجودي”. وضمن هذا التصور يقسم رضي كتابه إلى قسمين، الأول جاء في شكل مقدمة تأسيسية هي أشبه بإعلان شعري يشتمل على مجموعة أسئلة فلسفية وسوسيولوجية وثقافية قد لا تمتلك أجوبتها النهائية الخالصة، لكنها قادرة على تشكيل نفسها ببراعة في كل لغة، أو أمام أي شاعر يعرف جيداً “ما هو الشعر”، بينما اشتمل القسم الثاني من الكتاب على نصوص شعرية كتبت ما بين 2011 و2016. ويأتي هذا الكتاب ضمن مشروع آخر يعكف عليه رضي يتناول فيه المدن تخطيطاً وعمراناً ورمزيات بالنقد الثقافي منطلقاً من فكرة أن معيار الديمقراطية الحقيقية نجده في تخطيط المدن ورمزياتها وليس في صناديق الاقتراع. تحاول مقدمة كتاب “مدائن ما بعد الكارثة”، الصادر عن دار فراديس البحرينية، أن تعلّق “منوال الشعر” في زمن ما بعد الكارثة -والتي قد يفهم منها أنها كارثة الربيع العربي أو الحروب الكونية بصفة عامة- شاهداً على جميع الأجوبة المحتملة أوالمقترحة. ومن خلال هذا التأمل الأوّلي يضع رضي سؤاله الوجودي “هل هنالك إمكانية لحدوث تغيير بلا كارثة تسبقه؟”. لكي يجيب رضي عن هذا السؤال المفصلي المتعلّق بالمدن الفاضلة يضع مفاهيم تأسيسية خاصة حول “الشعر” في زمن ما بعد الكارثة، ويقترح تصورات لمدن المستقبل المتوازية في تطورها الحضاري مع تطوّر وعي الإنسان. لكنه يجر القارئ معه إلى الإصابة بمجموعة من الخيبات، إذ يجد رضي–على الصعيد العربي- مدناً متقدمة تقنياً غير أنها لا تمتلك خطة لتشغيل الإنسان إلا بصورة استعبادية. ثم إنه يشير إلى أنه –عربياً- لا توجد سوى مدينة واحدة مهيأة لهذا التصور غير أنها تدار بعقلية رعوية، لينتهي متسائلاً في خيبته الأخيرة “هل سنصل إلى هذه المدن يوماً ما، قبل أن تحل كارثة نووية قد تقضي على العالم الذي نعرفه، وسط هذا الصراع الذي يُراد له أن يكون بين الكتل البشرية الهائلة وبين التقنية الحربية تحت مسمّى ‘صراع الحضارات’؟ هل ستُبنى هذه المدن على الأشلاء، أم عبر تقدّم روحي شامل يعبر الكوكب؟”. وفق هذا المنظور المتشائم للمستقبل يؤكد رضي على انتهاء دور الشاعر الذي كان في يوم ما يحرّك الجماهير، ويتملّق الحكّام، ذلك الشاعر الذي يعيد إنتاج الخديعة. فالشعر –حسب رأيه- يجب أن يكون فعلاً نقدياً كشفياً، يستطيع أن يصنع أساطيره المضادة لـ”الأكاذيب النبيلة” التي يخلقها المجتمع أو السلطة أو الدولة بصورة استهلاكية تحاول من خلالها تنميط عقول الجماهير ناحية ثقافة جاهزة، تتمكّن من إدارتها عبر تمرير نسقية الصورة أو الكلمة في اللاوعي الجمعي. هذا السياق الاستنتاجي يدفعنا إلى السؤال التالي “كيف سيقوم الشعر بهذا الدور؟”. ومن أجل الوصول إلى تصور أكثر كشفاً عن واقع الشعر الحقيقي يؤسس رضي لمجموعة نقاط يرى أنها تختصر القول حول أهمية الشعر في زمننا الحاضر، وهي نقاط تصورية لها علاقة بالأنساق الثقافية والتربوية والسياسية، وبالوعي الذاتي العميق للكون. وذلك كله في محاولة للوصول إلى ما أسماه آرثر رامبو “زمن اللغة الكونية”. لكن الواقع الحقيقي للعالم يجعل من مهمة الشاعر صعبة، خصوصاً أنها تتمثل في صراع دائم بين قوى الأيديولوجيا وقوى اليوتوبيا، لهذا ما يمكن أن نعدّه شعراً عنصرياً الآن، هو بطولي ضمن إطار زمني آخر، والعكس صحيح. وحتى يتخلّص رضي من هذه المشكلة الزمنية والثقافية المتغيّرة من زمن إلى زمن آخر يقترح أن يبدأ الشعراء من بنود “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” بشكل مبدئي، فهو ينطوي على حالة اتفاقية عامة يستطيع الشاعر أن يؤسس عليها لغته وأخلاقه الكونية الإنسانية الموحّدة. ويخلص رضي في كتابه إلى أن الشعر آلية للتغيير عبر الكشف النقدي، وليس عبر التحريض أو المباشرة في النقد الاجتماعي أو السياسي، فهو يكشف عن النسق الثقافي الذي من خلاله تعمل المجتمعات وتعمل السياسة عبر كشفه للعلاقات المتباعدة المترابطة.

مشاركة :