شهوة الكتابة.. وتشويه الثقافة

  • 3/19/2017
  • 00:00
  • 41
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرون تستهويهم الكتابة فيقدمون عليها بعد التسلح بأدواتها، ويخوضون غمار هذه المغامرة اللذيذة وهم على ثقة بأن محاولاتهم وإن تعثرت في البداية فإنها لن تلبث أن تستقيم بالتجربة والمران والاستفادة من تجارب وتوجيهات الآخرين، سواء كانت كتابة إبداعية أو ثقافية عامة، فكل انواع الكتابة لا يمكن السير في طريقها المحفوفة بالمحاذير والمخاطر إلا بالقدرة على معرفة ملابسات ومفاجآت هذه الكتابة، وأسرار التمكن من عبورها إن لم يكن بأمان فلنقل بأقل الخسائر، فالكتابة ليست ترفا ولكنها مسئولية يتحمل نتائجها ذوو العزم من الكتاب، الذين لا ينهزمون امام تحديات الواقع، وهذه هي مهمة الكاتب المتسلح بالوعي والمسئولية، ومن هذه المدرسة تخرج شعراء وروائيون وكتاب قصة، جربوا وجددوا، بعد أن استفادوا من تجارب الآخرين، ومنحتهم ثقافتهم الخاصة مناعة ضد الانسياق وراء التقليد أو التكرار، وهؤلاء هم سفراء الثقافة الوطنية،هناك مجتمعات تعيش في أحلام اليقظة، وتحتاج إلى من يوقظها من أوهامها، وهذه هي رسالة المثقفين، للمساهمة في إصلاح ما اعوج من أساليب الحياة فيها. لكن مقابل هذه الكوكبة من الكتاب الذين يشار إليهم بالبنان، يوجد من تتحول الكتابة لديهم إلى شهوة تشوه الثقافة، وقد يمكن العبور منها إلى عالم الشهرة، لكنها شهرة وهمية لا تقوم على قواعد صلبة، بل على قواعد هشة قد تهوي بأصحابها إلى الدرك الأسفل من الإهمال لدى جمهرة القراء، وقد انتشرت ظاهرة الكتب التي تحمل أسماء تصر على الجعجعة دون طحن.. كتب عجيبة وغريبة بعضها يسمى قصصا أو روايات أو دواوين شعر أو خواطر، وهي أشبه بالهذيان الذي يدل على أن كتابها لا يعرفون شيئا اسمه الثقافة العامة، وقد يمر عليهم العام تلو العام ولا يقرأون كتابا مهما كان نوع هذا الكتاب، ومع ذلك يسمون أنفسهم كتابا.. قاص لا يعرف من القصة إلا اسمها، وروائي لا يملك الفهم أو القدرة على التجريب في مجال الرواية، وشاعر هو في واد والشعر في واد آخر، دون ان تسعفه ثقافته - هذا ان كانت لديه ثقافة - للحاق بركب الشعراء، وكاتب يجهل أساليب الكتابة، وفي هذه الأجواء التي يختلط فيه الحابل بالنابل، تلفظ المطابع باستمرار مؤلفات أفضل ما فيها الورق، وتحفل وسائل التواصل الإلكتروني بوابل من هذه المحاولات التي يصر اصحابها على تسمية أنفسهم كتابا، دون امتلاك أي موهبة طبيعية أو مكتسبة تؤهلهم لهذا الشرف الرفيع.

مشاركة :