ماري وولستونكرافت حين نواجه فرانكشتاين الذي صنعناه بأنفسنا بقلم: صخر حاج حسين

  • 3/19/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتبة البريطانية اشتهرت بدفاعها عن حقوق المرأة فقد كانت تقول إن النساء لسن أقل شأنا من الرجال ولكنهن يبدون كذلك فقط لأنهن يفتقِرن إلى التعليم.العرب صخر حاج حسين [نُشر في 2017/03/19، العدد: 10576، ص(9)]ماري وولستونكرافت امرأة سبقت عصرها تعيدها السينما اليوم إلى الصدارة أبوظبي - يأتي فيلم "فيكور فرانكشتاين" الجديد ليعيد إلى الأذهان حكاية كاملة لا تقتصر على الأدب والسينما. وتدور أحداث القصة حول العالم "فرانكشتاين" وتلميذه النابغة “إيغور”، حيث يستهدف فرانكشتاين هذه المرة من خلال تطوير أبحاثه وتجاربه خدمة البشرية ومساعدة الإنسانية لكن تسوء الحال أثناء قيامه بتلك التجارب وتصل به لنتائج غير متوقعة بالمرة. الفيلم من ﺇﺧﺮاﺝ بول ماكغيغان وعن قصة ماري وولستونكرافت شيلي ومن بطولة دانيال رادكليف وجيمس ماكفوي. ويحاول فيه ماكغيغان صناعة مزيج سينمائي يجمع بين الكوميديا والرعب والأكشن، ويبدأ بداية جديدة وممتعة مع قصة قديمة حول جثة أعيد إحياؤها. ويسرد الفيلم بشكل أساسي الأحداث السابقة لقصة الوحش الشهيرة من وجهة نظر إيغور الذي يروي بالتفصيل كيف اكتشف فيكتور للمرة الأولى الأحدب الذي لا يملك اسماً وكيف أنقذه من الحياة القاسية التي كان يعانيها هناك. تنشأ بين الرجلين رابطة قوية وصداقة وشراكة ويبدآن بصنع الوحوش. وبالرغم من المقاربة العصرية للفيلم إلا أنه يروي قصة حدثت في حقبة تاريخية قديمة ويبرز بشكل رائع من ناحية الأزياء وتصميم الإنتاج وحتى مؤثرات الوحوش. ويجب على هذا الفيلم أن يواجه في نهاية المطاف حقيقة أنه فيلم عن فرانكشتاين. ولكن من دون وجود وحش. لكن من أين جاء فرانكشتاين أصلاً؟ اللافت والمثير للاستغراب أن الوحش لم يأت من الخيال المجرد لكنه جاء من حكاية عن امرأة فكرت بما هو أبعد من القصص والدراما. فكرت بحرية المرأة وحقوقها. أي بما يعرف اليوم في عصرنا بـ”النسوية”. وتواجه أيّ محاولة لتعريف النسوية والتقديم لها العديد من الأسئلة والتحديات شأن من أين نبدأ؟ ومن يمكن أن نطلق عليـه أو عليها، صفة “نسوي”؟ وما الذي يجب أن نغفله؟ ومتى يجب أن نتوقف؟ هذه جميعها أسئلة هامة ومشروعة يجب أخذها بعين الاعتبار. في عام 1792 دعت الكاتبة والفيلسوفة البريطانية النسوية ماري وولستونكرافت (1759-1797) والمناصرة لحقوق المرأة والتي كتبت خلال حياتها المهنية القصيرة روايات وأطروحات وقصص رحالة كما كتبت عن تاريخ الثورة الفرنسية وقواعد السلوك وأدب الأطفال وتأثرت بأفكار الثورتين الأميركية والفرنسية ودعت إلى مشاركة كاملة للنساء في حقوق المواطنة وواجباتها.ماري وولستونكرافت وبوصفها نسوية ليبرالية آمنت بأن الدولة مسؤولة عن حماية الحريات المدنية كحق الانتخاب والتملك وحرية التعبير. وكانت تقول إنه إن استمر منع النساء من اتخاذ قراراتهن فلن يكن حرات. ولأن المجتمع لا يشجعهن على أن يطورن قدراتهن العقلية فلسوف تعوزهن الفضيلة الحق في التعليم كانت وولستونكرافت تردد دائما "شأني شأن النسويات البريطانيات الأوائل أعتبر أن لا فرق بين السلطة الذكورية والطغيان السياسي". واعتُبر كتابها "الدفاع عن حقوق المرأة" أول محاولة واعية للانخراط في نقاشات وجدالات تتعلق بقضايا التمييز الجندري. ولدت سنة 1759 وكانت الابنة الأولى لعائلة كثيرة الأفراد، درست لبضع سنوات فقط بالمدرسة. والدها عاش سكيرا وأذاق أفراد العائلة الأمرّين. لكنها هربت من بيت والديها عندما كانت صغيرة جدا وكانت تصاحب الأثرياء إلى حفلات الاستقبال مقابل مبلغ زهيد تقتات به. بعد موت والدها مرضت أمها فرجعت لمزرعتهم لتهتم بها وتساعدها. ماتت الأم وبدأت ماري في تحقيق حلمها منذ طفولتها وهو تأسيس مدرسة للبنات مع أختها الصغيرة وصديقتها. نجحت المدرسة لكن موت صديقتها المفاجئ أرغمها على إغلاق المدرسة والسفر إلى أيرلندا لتشتغل كعاملة بسيطة لدى عائلة أرستقراطية. عاشت وولستونكرافت حياة غير تقليدية بمعايير عصرها. وكان عليها أن تشتغل في أعمال عدة بغية إعالة نفسها. عملت كمرافقة للسيدات وحاضنة وذلك من بين أعمال أخرى. وبدأت الكتابة في سن التاسعة عشرة ونشرت كتابها "أفكار حول تعليم الفتيات" وصفت فيه حالة الفتيات الشابات المثقفات اللواتي يشبه وضعهن وضعها واضطررن للعمل عند “الأثرياء الحمقى” كما عبّرت عن ذلك. تقول عن عملها “في ذلك العام شغلت منصب مساعد تحرير لدى ناشري في لندن. وهي فرصة غيرت حياتي للأبد”.روبيرت دونيرو في دور فرانكشتاين ضد روسو اشتهرت وولستونكرافت بدفاعها عن حقوق المرأة فقد كانت تقول إن النساء لسن أقل شأنا من الرجال ولكنهن يبدون كذلك فقط لأنهن يفتقِرن إلى التعليم. كما اقترحت وجوب مُعامَلة كلّ من الرجل والمرأة على أنهما مخلوقان رشيدان يصنعان نظام اجتماعيا يقوم على العقل. وقعت وولستونكرافت في غرام الرسام والفيلسوف هنري فوسيل وكان متزوجا. لكنها لم تكشف له عن هواها بل آثرت التوجه إلى فرنسا حيث التقت الكاتب الأميركي جيلبرت إملاي وأغرمت به. وأعلنت عن نفسها زوجه له وأنجبت منه طفلا خارج قفص الزوجية. عندما انهارت علاقتها معه وجدت سلواها مع صديق عمرها الكاتب السياسي ويليام غودوين وبدأت معه علاقة عاطفية نجم عنها حمل آخر. أقنعت وولستونكرافت ويليام غودوين بأن يتزوجها حفاظا على سمعتها. لكنها توفيت بعد عشرة أيام من إنجابها طفلتها الثانية التي عرفت باسم ماري غودوين. جاء كتاب "الدفاع عن حقوق المرأة" ردا على الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي قال في كتابه "إيميلي" إن النساء انفعاليات وعاطفيات وعابثات ولا مكان لهن في الزواج إلا في موقع التابع وذلك بوصفهن مرافقات لأزواجهن. وكواحدة من رائدات الحركة البريطانية في دعم حق المرأة في التصويت جهرت بالحاجة لتحدي الأدوار الجندرية التي فرضت على النساء. فقد ناصرت حق المرأة في التعليم وخاضت الجدالات من أجل مشاركتهن في الحياة العامة معلنة "لست أرغب في أن تسيطر النساء على الرجال بل كل ما أتمناه في أن يمتلكن زمام أمورهن". بوصفها نسوية ليبرالية، آمنت وولستونكرافت بأن الدولة مسؤولة عن حماية الحريات المدنية كحق الانتخاب والتملك وحرية التعبير. وكانت تردد دائما "إن استمر منع النساء من اتخاذ قراراتهن فلن يكنّ حرات. ولأن المجتمع لا يشجعهن على أن يطورن قدراتهن العقلية لسوف تعوزهن الفضيلة". من هنا عندما ينكر المجتمع على المرأة الفرصة لتطوير قدراتها العقلانية التي تمكّنها من أن تصبح شخصا أخلاقيا ينخرط بالتزامات اجتماعية فإنه ينكر عليها أيضا الحريات المدنية الرئيسة. الحق الإلهي للرجال تقول وولستونكرافت "العقل أساس تمكين المرأة من إنجاز واجباتها على نحو ملائم. ولا بد هنا من القول مجددا بأن الأحاسيس ليست هي العقل. فتعليم الفتيات قراءة الروايات الرومانسية والعزف على الآلات الموسيقية والغناء وإلقاء الشعر سيغذي من تلك الأحاسيس على حساب العقل. والفتيات اللواتي تثقفن بهذه الطريقة اللاهية من الممكن أن يصبحن تابعات عاطفيا ويتهربن من الواجبات المنزلية وينخرطن في أعمال مستهجنة. فالنساء العقلانيات والمستقلات يطورن قدرات أخلاقية تمكنهن من أن يصبحن فتيات يقظات وأخوات محبات وأمهات عقلانيات ومتفهمات وزوجات مخلصات". تؤكد وولستونكرافت بأن الزواج المثالي هو الذي يقوم على المساواة والصحبة الفكرية. وقد كان قد تحدت المعتقدات الاجتماعية التي سادت آنذاك بإعلانها أن “حق الأزواج الإلهي شأن حق الملوك الإلهي نأمل بأن نتحداه في عصر التنوير هذا دون أيّ مخاطر”.الوحش لم يأت من الخيال المجرد لكنه جاء من حكاية عن امرأة فكرت بما هو أبعد من القصص والدرام تكمن قوة تحليل وولستونكرافت في أنها تجادل بضرورة تثقيف النساء لتمكينهن من تحقيق الاستقلال الاقتصادي. على أيّ حال كانت جدالاتها التي ميزت سمات اقترنت تقليديا بالرجال ودعت النساء إلى تبنيها محدودة في نطاقها وبات ينظر إليها في أيامنا هذه بوصفها إشكالية ومثيرة للجدل. كما أن وولستونكرافت لم تحسم أو تحلّ مشكلة استعصاء الميادين العامة على المرأة. وأما طموحاتها بالنسبة إلى النساء فقد بقيت محض نظريات. في إنكلترا تلاشت تأثيرات كتاب وولستونكرافت “الدفاع عن حقوق المرأة” بعد أن نشر زوجها عنها كتاب “مذكرات شخصية”. وبوصفها امرأة عازبة رفضت الزواج حتى وقت متأخر في حياتها وحاولت الانتحار مرتين. لقد كانت حياتها بعيدة جدا عن كونها تقليدية كما أسلفنا الذكر. أضاف كتاب "مذكرات شخصية" الكثير من المبالغات إلى تفاصيل حياتها الخاصة التي اعتبرت لا أخلاقية ومثار جدل. أضف إلى أن مطالباتها الانفعالية بالمساواة الجنسية وتعاطفها مع الثورة الفرنسية أبعد عنها أنصارها ما جعل السياسي والأديب البريطاني هوراس والبول يشير إليها بجملته الشهيرة إنها “ضبعة بزيّ امرأة”. ونتيجة لذلك لم يعد كتابها “الدفاع عن حقوق المرأة” يطبع حتى عام 1844 واعتبرت مثالا متطرفا على النزعة الانفعالية المنفلتة من عقالها. فرانكشتاين والنسخة الأخرى لماري في 30 أغسطس سنة 1797 ولدت وولستونكرافت ابنتها الثانية ماري وعلي الرغم من أن الولادة بدت أنها مرت بشكل جيد إلا أنه أثناء الولادة كان قد حدث تلوث في المشيمة مما أدى إلي إصابة وولستونكرافت بحُمّى النفاس (كانت شائعة الحدوث في القرن الثامن عشر) التي أدت إلى حدوث تسمم في الدم أدى إلى وفاتها في الثامنة والثلاثين من عمرها وبعد عشرة أيام فقط من إنجاب ابنتها الثانية ماري شيلي. تركت وولستونكرافت خلفها مسودات للعديد من الكتب غير المنتهية. وبعد وفاتها قام زوجها ويليام غودوين عام 1798 بنشر قصة حياتها كاشفاً تفاصيلها التي كانت تعتبر آنذاك غير مقبولة اجتماعيا. ابنة ماري الثانية التي ماتت بعد أن وضعتها أصبحت فيما بعد كاتبة مبدعة. وكان أعظم عمل أنتجته قصة “فرانكشتاين” بوحي من أفكار أمها. وبالقرب من بحيرة جينفا في قرية كولوجني كتبت ماري الثانية مسودة لرواية فرانكنشتاين “لقد كان في ليلة موحشة من شهر نوفمبر والتي فهمت فيها رجلها بشكل كامل”. كتبت هذه الرواية تحت تأثير قراءة قصص الرعب الألمانية حتى أن اللورد بايرون اقترح عليها أن يقوم كل منهما بكتابة قصة عن الأرواح الشريرة ليريا النتيجة. نشرت ماري التي صار اسمها الجديد "ماري شيلي" روايتها الأولى فرانكنشتاين عام 1818. وفي خريف العام 2011، توصل العالم الفلكى دونالد أولسون إلى أن حلم مارى شيلي بشخصية فرانكشتاين حدث لها يوم الـ16 من يونيو 1816 ما بين الثانية والثالثة صباحا وبعد عدة أيام من فكرة اللورد بايرون بأن يؤلف كلّ منهما قصة روح شريرة. وتبقى السينما تلاحق ماري شيلي في كل تفاصيل حياتها. ففي الأسبوع الماضي قالت المخرجة السعودية هيفاء منصور، التي حصل فيلمها "وجدة" على العديد من الجوائز العالمية، إنها تستعد حالياً لعرض فيلمها الهوليوودي الأول عن حياة شيلي، الذي انتهت من تصويره في إيرلندا، بمشاركة عدد من النجوم العالميين، من بينهم، إيلي فاننغ ومايسي ويليامز وستيفن ديلان أبطال مسلسل “لعبة العروش”.

مشاركة :