بسم الله الرحمن الرحيم قال أحدهم يلوم نفسه بعد أن شاخ قلبه وتقدّم عمره وفتر عزمه وضاعت مصالحه: أنا السبب في ما أنا فيه الآن من الندم والحسرة، هكذا سارت بي الأيّام التي تعمّدتُ أن أضيّع ساعاتها ودقائقها من أجل تباريح باطلة وسوانح مُلهية. كنت أظن أَنِّي أربح وغير يخسر، أتقدّم وغيري يتأخر، أتصدّر وغير يترنّح، لكنّ حقيقة الأمر خلاف ذلك بالكُليّة.. أنا من كان يتهاوى إلى الدون درجةً بعد درجة، وتتساقط همّتهُ يوماً بعد يوم، وتتلاشى سمعتهُ فترةً بعد فترة. هذه هي الحقيقة .. فلا جديّة في حياتي ولا هدف أمام ناظريّ ولا خطة حياةٍ تحت يديّ. أعيش تبعاً لهذا وذاك، وجسراً لهم في تحقيق مطالبهم، وأداةً يقضون بها مهامّهم فإذا انتهوا منها ألقوها غير مأسوف عليها. لقد بالغتُ في حبي للفراغ حتى أشرفَ على قتلي، وضحّيتُ من أجل الراحة حتى كسرت عزائم صدري، وأبدعتُ في تسويفِ كلّ مهمّ في حياتي حتى ضاعت حياتي كلها. انتهى .. هذا جزء يسير من اعترافات صاحبنا على نفسه، ولومه الشديد عليها والذي يكرره عشرات المرات في اليوم الواحد، خاصّة حينما يرى تقدّم الأصحاب وتفوّق الأقران مع تأخّر حاله وبُعد مناله واقتراب مآله. ومن المؤلم أن ترى هذه الحقيقة المرّة يعيشها كثير من الناس دون اتّعاظ من دوران الأيام والسنين ولا اعتبار ممّن سبقهم من اللاهين العابثين. إنّ قضايا ضياع الأوقات وانهزام الهمم وتتبّع سفاسف الأمور من الأهميّة بمكان أمرُ نقاشها وبحث أسبابها وطرق علاجها, لكن الأهمّ منها – في نظري – هو قضية رؤية الإنسان لنفسه وتقديره لها من عدمه وجعلها في المكان التي تستحق أن تكون فيه. فمن النّاس من يحترم نفسه ويقدّر ذاته فتجده المتصرفُ فيها القائدُ لها فيسوقها لكل قمّة سامقة وطور شارف, فيهنى في عيشه وإن كثرت المنغّصات, وتستقر نفسه وإن عظُمت المطالب, ويكفي أنّه يعلو بعلو همّته ويسمو بسمو غايته .. فلله درّه. ومنهم من خنع تحت وطأت نفسه الشريرة المتقلّبة فكانت هي السائقة له وكان لها التابع الذليل, فانحدرت به لكل سافلة مقيتة وأودت به إلى مستنقعات الحياة المميتة, وبسبب إهماله في عنايته بنفسه وعدم احترامه وتقديره لها خارت كل نيّة طيّبة فيها وغاب كل قصد راقٍ عنها .. فلا عزاء له. اعلم أنّك أنت المسؤول الأول عن نفسك وهمّتك وهدفك وحياتك كلها, وإن لم ترقى بها نحو معالي الأمور ومشارف القيم وإلّا هوت بك نحو هاوية سحيقة لن تلقى بعدها عمراً جديداً ولا مجداً تليداً. وكما قيل : وما المرءُ إلّا حيثُ يجعلُ نفسه فكن طالباً في الناس أعلى المراتب الخميس 22/6/1442هـ
مشاركة :