الأنفُسُ الشُّحُّ! | شريف قنديل

  • 7/30/2013
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حتّى الآنَ، ورغمَ أنهارِ الدمِ التي سالتْ وتسيلُ في مصرَ، مازالَ في الإمكانِ نجاحُ عمليةِ المصالحةِ شريطةَ إخلاصِ النيةِ للهِ ولمصرَ. ومعَ الاحترامِ التّامِ للسيدةِ كاترين آشتون الممثلِ الأعلَى للسياسةِ الخارجيةِ والأمنيةِ الأوروبيةِ، وقبلَهَا للسيدِ عمر كوناري رئيسِ مالي الأسبقِ، والممثلِ الأعلَى للاتحادِ الإفريقيِّ، وقبلَهُمَا وبعدَهُمَا للسيدين محمد سليم العوا، وطارق البشري لنْ تنجحَ جهودُ المصالحةِ طالمَا بقيَ في الطرفينِ المتخاصمينِ مَن يِِفجرُ في الخصامِ حتّى القطيعةِ، وفي الحوارِ حتّى الدمِ. والحاصلُ أنَّ المشكلةَ لمْ ولنْ تكونَ في آشتون وكوناري، والعوا والبشري، كمَا لمْ ولنْ تكونَ في الطرفين المتناحرين! وإنَّمَا هي تكمنُ في النفوسِ المريضةِ الساعيةِ للهدمِ لا للبناءِ.. وللدمِ لا للسماحةِ والصفاءِ.. ولا تنسَ طوالَ الوقتِ أنّه مهمَا كانَ الساعونَ في الصلحِ خيِّرينََ، بنّائينََ، مشّائينََ في الخيرِ، فإنَّ الساعينَ في القطيعةِ غلاظٌ قساةٌ ينطبقُ عليهِم قولُهُ تعالَى: "واُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ".. والشحُّ هنَا أفظعُ من البخلِ، لأنَّه يسعَى لمنعِ العطاءِ، ورفضِ المسامحةِ! لقدْ ارتبطَ الصلحُ في الثقافةِ والوجدانِ العربيِّ المسلمِ بالإصلاحِ، كمَا ارتبطَ المصطلحان: الصلحُ والإصلاحُ بمقاومةِ الفسادِ والإفسادِ، بل إنّ القرآنَ الكريمَ يقابلُ الإصلاحَ أحيانًا بالفسادِ "ولا تُفسِدُوا فِي الأرضِ بعدَ إصْلاحِهَا"، "إنَّما المؤمنونَ إخوةٌ فأصلِحُوا بينَ أخويكم واتَّقوا اللهَ لعلّكم تُرحمونَ"، "إنَّ اللهَ لا يُصلحُ عملَ المُفسدِينَ". لذلكَ كلِّه وأكثر منهُ سترتطمُ جهودُ الصلحِ والإصلاحِ سواء أكانتْ من آشتون، أو من كوناري، أو حتّى من العوا والبشري بالأنْفُسِ الشُّحِّ.. بالأنفسِ المريضةِ، بالأنفسِ الساعيةِ للفسادِ والإفسادِ. إنَّ العالمَ كلّه من أقصاه إلى أقصاه يدركُ جيدًا أنَّ في مصرَ مشكلةً، باستثناءِ نفرٍ من المصريين! والعالمُ كلّه يعرفُ أنَّ في مصرَ فتنةً كُبرَى، إلاَّ نفرًا من المصريين!! والعالمُ كلّه يعرفُ أنَّ المصريينَ إخوةٌ أشقاءٌ ليسَ بينهم عرقياتٌ ولا مذاهبُ ولا إثنياتٌ.. إلاَّ نفرًا من المصريينَ! هذا النفرُ الخطيرُ من المصريينَ الرافض للصلحِ والإصلاحِ، واللافظ للنسيجِ الواحدِ، وللشعبِ الواحدِ هو مَن يذكِي نارَ الفتنةِ أكثرَ وأكثرَ بينَ الطرفَينِ المتخاصمَينِ! هذا النفرُ الخطيرُ من المصريينَ هُو الذِي يتمسكُ بمصرَ أخرَى غير التي يعرفُها المصريونَ، والعالمُ كلّه! بهويةٍ أخرَى غير التي يعرُفها المصريونَ، والعربُ، والمسلمونَ، والمسيحيونَ، واليهودُ، والعالمُ كلّه! بعلاقةٍ اجتماعيةٍ أخرَى بينَ الشعبِ الواحدِ غير تلكَ التِي تعرفُها وتقفُ لها الخليقةُ كلّها احترامًا وتقديرًا! إنّه النفرُ الذِي يدعُو لمزيدٍ من الدمِ، ومزيدٍ من البترِ ليسَ للإسلاميينَ -وأُكرِّرُ ليسَ للإسلاميينَ- وإنّما لصلةِ الرحمِ! مثلُ هؤلاء لا يعرفُونَ رحمًا؛ لأنّه ليسَ لهم، ولا يعرفُونَ رحمةً؛ لأنّها ليسَت لديهم، بلْ لا يعرفونَ مصرَ لأنّهم مصريونَ بالبطاقةِ، وفي البطاقةِ فقط!! وفتّش عن إسرائيلَ، وكلِّ الداعمينَ للفتنةِ! وفتّش عن الماسونيةِ العالميةِ، وفتّش عن الراغبينَ في التذويبِ والتزويرِ.. تذويب هويةِ شعبٍ، وتزوير تاريخِ أمةٍ! في طريقِ المصالحةِ ستجدُ مَن يحذِّركَ منهَا! وفِي طريقِ الإصلاحِ ستجدُ مَن يلهيكَ عنهُ! أجزمُ أنَّ الطرفينَ المتنازعينَ الآنَ، ومعَ استفحالِ الحالِ -حدَّ إراقةِ الدماءِ- باتَا أكثرَ قناعة، بأنَّ ما جرَى وكانَ لا يصلحُ الآنَ، وأنَّ الطريقَ الوحيدَ لمصرَ آمنةٍ مستقرةٍ سليمةٍ متعافيةٍ، بعيدةٍ عن الفسادِ والإفسادِ هُو الصلحُ والإصلاحُ.. لكنْ أوقنُ أيضًا أنَّ ثمةَ مَن يحذِّرونَ الطرفين.. ومَا أكثر المقولاتِ التِي يطرحُهَا هؤلاء، ومَا أخطر النظرياتِ التي يروِّجُها هؤلاء.. ومِن ذلكَ -على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ- أنَّ الصلحَ يعنِي الاعترافَ بالهزيمةِ الساحقةِ، وهذا كذبٌ! وإنَّ الصلحَ يعنِي العودةَ للمربعِ صفر، وهذا دجلٌ! وأنَّ الصلحَ يعنِي تعطيلَ المسارِ الديمقراطيِّ، وهذا نصبٌ! وأنَّ الصلحَ يعنِي التنازلَ عن الإسلامِ، وهذا افتراءٌ! أبعدُوا الميكروفوناتِ عن مثلِ هؤلاء! أبعدُوا المنصاتِ عن مثلِ هؤلاء! إنَّها أبدًا ليست "مصاصةً" يلوكُونهَا في أفواهِهم، ويخرجونَ ألسنتَهم بلذةٍ مع كلِّ قطرةِ دمٍ! إنَّها رصاصةٌ في قلبِ مصرَ كلّها، فانتبهُوا يرحمكُم اللهُ!. عمّقوا ثقافةَ المصالحةِ لا ثقافةَ المنازلةِ.. تصالحُوا حتّى يصلحَ اللهُ لكم أعمالَكم، ويغفرَ لكم ذنوبَكُم.. وما أكثرها في حقِّ مصرَ! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :