نحو تحرير الثقافة العالمية من هيمنة المعيارية الغربية: الثقافة العربية المعاصرة نموذجا (3 / 3)

  • 3/20/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

تنظير صاحب هذه البحث (وهذه السطور) بديلا للدور المهيمن الذي تلعبه آليات السوق العالمية في الترويج للأدبيات الغربية، ومن ثم هيمنة معاييرها على سواها من الآداب غير الغربية (أنظر معايير جائزة نوبل فى الأدب على سبيل المثال)، مقترحا ندية كاملة بين كافة الآداب سواء كانت غربية كانت أو شرقية على مستوى العالم أجمع. مما سبق نخلص لما يلى: إذا كان نمط الإنتاج السائد على الصعيد العالمى فى أزمة مستفحلة بسبب اعتماده على آليات السوق العالمية، واستهدافه منذ نشأته الأولى تعظيم الربح النقدى للأفراد على حساب مجموع البشر، وبلا أية احترام لمتطلبات البيئة الطبيعية والإكولوجية، فضلا عن انتهاكه لحقوق معظم البشر في عالم اليوم، فإنه من الحماقة أن نمضي في إثره بحثا عن إشباع حاجاتنا عن طريق السوق الدولية، بينما نملك كل تلك الطاقات الإنتاجية التي يمكنها أن تحقق، لو وظفت في مشاريع إنتاجية قومية عامة على نطاق القطر المصري بأكمله، فيضا من إنتاج الغذاء، والكساء، والدواء، والمسكن الملائم، والمواصلات (إن بلدا كإندونيسيا ينتج وسيلة المواصلات الرئيسية فيه: الفسبا) وهو ما يمكن أن يحدث نقلة نوعية تشابه في إنجازاتها انتصارات الشعب المصري على تحديات حرب أكتوبر. وبما أن ذلك كله لا يتحقق سوى من خلال مختلف التخصصات التي نتوفر على تعلمها في مدارسنا ومعاهد العلم عندنا، فيجب أن توجه هذه في المقام الأول لخدمة هذا المشروع القومي المستقل. وفي هذه الحالة تصبح علاقتنا بالخارج، لاسيما الغربي نابعة من وعينا باختلافنا الموضوعي عما توصل إليه من حلول مهما كانت مركبة أو متماسكة. فحلوله مهما كان شأنها إنما هي نابعة من سياقاته هو المختلفة موضوعيا عن سياقاتنا المجتمعية، بل ومن تراكم الثروات المادية لديه على حساب شعوبنا، وهو ما يجب أن يحفزنا على أن نوجد سبلا نروض بها هذا التحدي. فمن خلال الوعي بالاختلاف تكمن القدرة على الإضافة والتحدي. لكن ذلك لن يتأتى إلا بمشروع قومي عام يجيش له وعي كافة المواطنين: مشروع يجند فيه الجميع لخدمة الجميع في هذا البلد. عندئذ لن نرى ظاهرة الهروب للخارج عبر البحار لأن الأمل العام سيظللنا جميعا. ومن خلال هذا التوجه العام للمجتمع المصري يمكن أن تنعدى منه سائر المجتمعات المهمشة في عالم اليوم، من الهند وباكستان إلى سواهما من أكثر الأقطار معاناة من الفقر والعوز لتصبح من أكثرها عطاءً لذاتها وللبشرية على حد سواء. بل سنجد العديد من الشعوب الغربية ذاتها تقف تحية لنا ورغبة في التعلم من تجربتنا التحريرية هذه. ومن ثم يمكن أن تظهر في الأفق معالم ثقافة عالمية بديلة تقوم على ندية التفاعل بين مختلف المجتمعات على أسس مقاربة للرشادة العلمية الحقة. هل أكون مفرطا في التفاؤل إذن؟ فلنجرب هذا السبيل ولن نخسر سوى ما نحن فيه الآن من أزمة مستفحلة بكل المقاييس. ولا ننسى أن إطلاق هذا النداء من كلية الألسن هو الأنسب باعتبارها أنشئت في الأساس لإشباع احتياجات مجتمعنا المصري عن طريق درس آخر ما توصلت إليه المجتمعات المتقدمة في مختلف التخصصات لا سيما العلمية الطبيعية والتطبيقية، وليس في الآداب القومية وحدها كي تصبح لنا بصمتنا التاريخية التي بلغت حتى نهاية العقد الرابع من القرن الثامن عشر من منتصف آسيا لمنتصف أفريقيا. د. مجدى يوسف ـ رئيس الرابطة الدولية لدراسات التداخل الحضارى (جامعة بريمن)

مشاركة :