كثيرة هي حقوق الشاعر الإنسان التي تهملها الدولة، وتهمل من خلفها الشعر، فمتى يُتَدارَك هذا الوضع الذي ينبئ بكارثة حقيقية يتعرض لها شيخ الفنون.العرب محمد ناصر المولهي [نُشر في 2017/03/22، العدد: 10579، ص(14)] ألم يؤثر الشعر في السينما والمسرح، أليس مؤثرا في ألوان التشكيليين، أليس له دور في نصوص المسرح وفي الأغاني والموسيقى؟ لذا مازال الشعر حيا وقادرا على التأثير، على غير ما يدعي البعض من أصحاب الرؤى الربحيّة الضيقة بموته. في اليوم العالمي للشعر تحتفل مؤسسات ثقافية قليلة في تونس بهذه المناسبة فتقيم أمسية شعرية في الغالب يحضرها بعض الشعراء، ليعود الشعر من غده إلى الركون إلى ظلال النسيان، فيما الشعر حياة مستمرة كل لحظة، الاحتفاء الحقيقي به يكون بالتأسيس لمناخ يسمح بتطوره ورواجه لدى القراء، والتأسيس لمستقبله قبل حاضره. الاحتفاء بالشعر يكون بداية بالاحتفاء بالشعراء، لا دعوة بعضهم إلى أماس شعرية ينتهي صداها مع إطفاء الميكروفون، بل الاهتمام بهذه الشريحة المهمشة من المبدعين، يكون بداية بالاهتمام بما ينتجونه، فمثلا يعاني الشعراء التونسيون من انغلاق سوق النشر بشكل شبه كلي أمامهم، وكلنا نعلم أهمية النشر في تطوير التجربة، وكنا أسهبنا حديثا في هذا الأمر سابقا، حيث وضع النشر فيما يخص الشعر وضع خطير، يسيطر عليه الناشرون الذين يتحججون بركود سوق كتب الشعر، لذا يطالبون الشاعر بدفع أموال الطباعة، ليطبع كتابه، يتكبده على ظهره ويوزع بعض النسخ كإهداءات وقد يصادفه الحظ أو التدخلات لتشتري منه الوزارة بعض النسخ، لكن يبقى كتابه هامدا على الرفوف حيث لا يقع توزيعه. علاوة على سوق النشر التي تنهش كيان الشاعر وقد أدت فعلا إلى إحباط كبير في صفوف الكثير من الشعراء التونسيين، وأودت ببعضهم إلى الانقطاع عن الكتابة، نجد انعدام الجوائز المخصصة للشعر، عدا بعض الجوائز النادرة التي تحتذي بشقيقاتها النادرة أيضا على المستوى العربي، فتحتفي فقط بشعر الخطابة أو أنماط شعرية دون غيرها، وهذا ما يضيّق أفق الشعر الذي لا يمكن أن يعيش إلا حرا من الأشكال وغيره من المحددات. لذا تبقى جوائز الشعر في تونس لا تتعدى الجائزتين؛ واحدة كل ثلاث سنوات والأخرى سنوية يقترحها المعرض بشروط فضفاضة، ما يجعل البعض من الشعراء القدامى يتمكنون من المشاركة بأعمال كاملة أو مختارات، في خطوة تقضي على نفَس التجديد الذي تُخلق من أجله الجوائز. إضافة إلى معضلة النشر والجوائز، نحن لا نجد مهرجانا شعريا لائقا، يمكنه أن يحقق حراكا شعريا أفضل. ثم هناك حال الشعراء المزري الذين لا يحظون بأي اعتراف أو حماية من الدولة. ولا نغفل أيضا مسألة تواصل الشعراء مع الأجيال اللاحقة حيث نادرون هم الشعراء التونسيون الذين يقع تدريسهم المناهجَ التعليمية سواء في المدارس أو في الجامعات. تحفل تونس بجيل شعري مميز، لكن تضخّم حواجز الواقع يهدد هذا الجيل بالاندثار. المسؤول الأول عن حالة الشعر والشعراء هو الدولة ممثلة في وزارة الثقافة، التي عليها أن تبحث بشكل عاجل عن حلول لحماية الشعراء والشعر التونسي، عليها أن تجد حلا لمعضلة طباعة الشعر، وتتدخل في طباعة أعمال للشعراء وتوزيعها على المكتبات العمومية مثلا، والتفكير في دعم الشعراء كما تفعل مع المسرحيين والسينمائيين والتشكيليين والموسيقيين، بأن تشتري حقوق كتبهم مثلا، لا أن تشتري بدنانير بضع نسخ تركنها على الرفوف. وكثيرة هي حلول النشر والدعم بشكل يضمن كرامة الشاعر ويضمن له تطور تجربته باحتكاكها بالقارئ. ونقترح على الوزارة التأسيس لجوائز شعرية سنوية إضافة إلى جائزة معرض الكتاب اليتيمة، كما نقترح على خطى ملتقى الشعراء الطلبة العرب في دورته الأولى سنة 2016 إنشاء “أيام قرطاج للشعر” لتكون مناسبة سنوية على غرار أيام قرطاج للموسيقى والسينما والمسرح. علاوة على هذا لمَ لا يكون هناك إطار قانوني يضمن للشاعر اعترافا رسميا من قبل الدولة، ويضمن له أبسط حقوقه الأدبية والحياتية؟ كثيرة هي حقوق الشاعر الإنسان التي تهملها الدولة، وتهمل من خلفها الشعر، فمتى يُتَدارَك هذا الوضع الذي ينبئ بكارثة حقيقية يتعرض لها شيخ الفنون، في زمن حرج يحتاج فيه الإنسان إلى الفن أكثر من الخبز؟ شاعر تونسيمحمد ناصر المولهي
مشاركة :