أن تبرع في كتابة الشعر إذن أنت نرجسي بقلم: محمد ناصر المولهي

  • 5/11/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

الكثير من شعراء قصيدة النثر متأثرون بالنصوص المترجمة، فصاروا يكتبون متكلفين بالعربية نصوصا عن عوالم لا تمت إليهم بصلة. هنا نتطرق مع الدغاري إلى الحديث حول المحلية والكونية في الشعر، إذ ترى أن انفتاح الشاعر على النصوص المترجمة ضرورة، فهي تمثل تجارب وعوالم تأتي إلينا وتفرض جمالياتها ولمَ لا، تسهم في إغناء ذائقة الشاعر وتوسّع مجال الخيال عنده، تماما كانفتاحه على شتى أنواع الفنون الأخرى. كلها روافد تنصهر في قلب الشاعر، في رأيها، لتخرج القصيدة كوْناً بأسْره، تقول الإنسان بكل عواطفه وميوله وخيباته. بهذا المعنى تؤمن الدغاري بالكونية في الشعر لأنها تؤمن بكونية الإنسان. لكن أن يغرق شاعر في النصوص المترجمة، ويرتهن إليها في شكل من الانبهار أو تبعيّة الهامش للجوهر فهذا ما ترفضه الشاعرة، معللة ذلك بأنه شكل من الصنمية يصنعها الشاعر ويعبدها، في مرحلة ثانية يعيد إنتاجها بشكل ماسخ، يُغلّفها بغرائبية مصطنعة كشكل من أشكال التّشبّه بالنصوص “المعبودة” إنْ صحت العبارة. وهنا الإشكال فعلا. تقول الدغاري “أن تكتب الشعر، معناه أن تنحت طريقك المميّز بعد هضمك لطرق ملتوية ومتشعّبة مشى فيها غيرك، أن تبرع في كتابة الشّعر معناه أنك نرْجسيٌّ بما فيه الكفاية، حتّى تكتب نصّا يقول العالم وأنت قابعٌ في كوخك المحلّي”. مشروع ثقافي قصائد هدى الدغاري تحمل معجم الطبيعة، كما تتطرق إلى التفاصيل اليومية المهملة تستلهم منها عوالمها الشعرية، تحدثنا الدغاري عن عوالمها الشعرية في تشكّلها، فتقول “الطبيعة تراب القصيدة وماؤها الدّافق، وجهها الموغل في التفاصيل، المتوهّج بلغة الحسّ والحيوية والحركة، الكتابة كالتصوير السينمائي، التقاط للصّورة بتدفّق نبض الحياة فيها: بذاك الاحمرار الذي يعلو الوجنتيْن وتلك الروح الدافقة بهزة نهد، أو رعشة أصابع شيخ، بالتقاط لدمعة يتيم بسخونتها الهاطلة على خدّه. وأنا أسعى حثيثا لكتابة الحياة المثقلة بالضجيج والهدوء في آن واحد، كتابة نص متحرّك، متأرجح بين اليومي والاعتيادي والحميمي بلغة شعرية فيها خفّة وطراوة”.قصيدة النثر استفزت ذائقة المتلقي العربي الذي أخرجته من التنميط الذي سارت عليه القصيدة الكلاسيكية وحول رأيها في المشهد الشعري التونسي اليوم، وخاصة فيما تكتبه النساء التونسيات، إن كان ارتقى إلى المأمول، تعتقد ضيفتنا أنّ المسألة أعمق من مجرّد الحديث عن تقييم ما تكتبه النساء التونسيات، أو تقييم للمشهد الشعري التونسي بشكل عام، على الأقل هي لا تراه دورا يمكن أن تضطلع به، فهذا دور النقّاد بالأساس. هذا إذا اتّفقنا على تحديد مفهوم النقد ومن هو النّاقد الذي يُعتدُّ برأيه. وهذا في رأيها معضلة بحد ذاته. من جهة أوسع يرى الكثير من المتابعين أن المشهد الثقافي عامة في تونس يعاني من اختلال واضح رغم حيز الحرية الذي توسع بعد الثورة، وتعلق الشاعرة حول هذه النقطة قائلة “أعتقد أن الاختلال مزمن ويرجع بالأساس إلى غياب مشروع ثقافي حقيقي يأخذ على عاتقه بناء الإنسان وتطوير أدائه ومن ثمّة المساهمة في البناء الحضاري بشكل عام، يأخذ فيه المبدع مكان الرّيادة. في غياب هذا الموجّه العام يظل المثقف مهمّشا جرّاء تهميش الثقافي. أعتقد أن هذا المطلب لم يكن ذا أولوية عند مشرّعي السياسات قبل الثورة وبعدها، والحرّية التي اتسع مداها لم تقدّم لنا سوى توسيع لدائرة الرديء والمزيد من الإحساس بالغربة”. أما عن دور الشاعر والكاتب والمثقف عموما اليوم، فتلخّصه هدى الدغاري في ألا يكون مهرّج السّلطان.

مشاركة :