عرض مسرحي فرنسي عن التباس العلاقة بين الضحية والعالم بقلم: عمار المأمون

  • 3/26/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

العرض المسرحي في عدالة الأسماك يعالج العلاقة بين المذنبين والضحايا على الصعيد العالمي كما يشير إلى العلاقة بين إسرائيل وفلسطين.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/03/26، العدد: 10583، ص(15)]القراءة من الورق أضعفت العرض شهد مسرح التارماك في باريس العرض المسرحي “في عدالة الأسماك” وهو مونودراما تؤديها الممثلة السورية ناندا محمد إلى جـانب الموسيقي دايـفيد تـشايسا. العرض من تألـيف وإخـراج الفرنسي هنري جـولز جوليان وفيه تقف أمامنا ناندا محمد لتطرح تساؤلات عن العدالة والموت ومن هم المذنـبون دون علمهم ومن هم الأبرياء حقيقة. نرى ناندا محمد قبل العرض في بهو المسرح، من يعرفها يلقي السلام، في حين أن الجمهور من “الآخرين” الذين لا يعرفونها ينتظرون موعد الدخول إلى الصالة، وما إن يستقر الجميع في مقاعدهم تنهض محمد من بينهم و تتجه إلى الخشبة، ذات الجمهور الذي كانت تقف بينه يجلس منصتاً لصوت الموسيقى التي توتّر الأعصاب، تقف محمد لتخبرنا بالفرنسية أولاً عن مفهوم العدالة وقوانين القصاص وحالاتها الاستثنائيّة، ألا وهي القتل غير العمد، تلك الجرائم التي تحدث مصادفة والتي لم يكن فيها إزهاق الروح مقصوداً بل مجرد حدث عابر نتيجة سوء تقدير أو سهو، لتتابع بعدها عن مفهوم مدن اللجوء تلك التي تسمح لمرتكبي القتل غير العمد أن يعيشوا بأمان دون أن ينال منهم من يطالبون بالانتقام لقتلاهم، أولئك من يريدون العين بالعين والسن بالسنّ رغبتهم بالقصاص معلّقة لأن غرماءهم في مدن اللجوء حسب السّفر العبري الذي يبني عليه النص مفهوم “اللجوء” فهم في مدن الأمن الكامل، نصف مذنبين ونصف أبرياء، هم قتلوا دون قصد، ومجرد استمرارهم أحياء يترك سؤال العدالة معلقاً.النص يحيل إلى المدن الأوروبيّة وسكانها أولئك الذين يعيشون في الرفاه والمشابهين لسكّان “مدن اللجوء” هم مذنبون نوعا ما بوصفهم جزءا من أنظمة تحميهم وتوفر سلمهم وحاجاتهم يحيل النص بعدها إلى المدن الأوروبيّة وسكانها أولئك الذين يعيشون في الرفاه والمشابهين لسكّان “مدن اللجوء” هم مذنبون نوعا ما بوصفهم جزءا من أنظمة تحميهم وتوفر سلمهم وحاجاتهم، ذات الأنظمة التي تسلب الآخرين حقوقهم، فهم، أي أولئك المطالبون بحقهم، بعدالتهم ينتظرون دوماً قصاصهم المتأخّر وتحقيق العدالة، هذه التغيرات بين المذنبين والضحايا تنعكس في النص الذي تلقيه أمامنا محمد ثلاث مرات، مرتين بالفرنسية ومرة بالعربية لتتغير الضمائر في النص بين المخاطب والغائب بتغير المذنبين ليبقى السؤال الذي يطرحه العرض معلقاً “نحن سكان المدن الأوروبية، ألا نحمل بعد من المسؤوليّة عن المآسي التي تحدث بعيداً عنا، ببساطة لأننا أثرياء؟” ليتغير بعدها الضمير “هم سكان المدن الأوربيّة …”. يعالج العرض العلاقة بين المذنبين والضحايا على الصعيد العالمي كما يشير إلى العلاقة بين إسرائيل وفلسطين، وخصوصاً أن مفهوم دول اللجوء في النص يحيل إلى مدن في فلسطين يذكرها النص بالاسم وكانت مخصصة للقتلة بالمصادفة كما يوجّه اللوم إلى الأوروبيين بوصفهم مذنبين، ولو أنّهم حقيقة لم يفعلوا شيئاً سوى كونهم ولدوا في أماكن ما وعاشوا حياتهم بأمان، بعكس أولئك المنتمين لجغرافيات العنف والخراب. بالرّغم من تماسك الفرضية نوعا ما وإثارتها للاهتمام فإن العرض بصرياً لا يثير الاهتمام فهو دعوة للتفكير فقط بسبب شعرية النص وخصوصاً أن محمد تقرأ أمامنا من أوراق في يدها، فمتعة المشاهدة المسرحية غير موجودة، وكان بالإمكان لنا أن نقرأ النص في مجلة أو جريدة متخصصة أو نسمعه على الراديو، وبالرغم من حالة المواجهة مع الجمهور في البداية ثم الاقتراب منه، وغيرها من التقنيات المستخدمة لخلق الحميمة من جهة و”المسرحة” من جهة أخرى إلا أن ذلك لم يكن كافياً لخلق التجربة البصرية المرتبطة بالمسرح، بل إن ذلك ولّد الملل أحياناً، إثر الحركات المجانية اللادرامية في سبيل ملء الخشبة، فالأداء لا يتجاوز كونه مجرد إلقاء متقن لنص مكتوب أشبه بحكاية ترويها لنا مع بعض الانفعالات. كاتب من سوريا

مشاركة :