"الوجه" فيلم فرنسي عن فتاة عادية تختفي فجأة بقلم: عمار المأمون

  • 9/22/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

فيلم الوجه إلى كشف المفارقة بين المادة الأولية والصانع والتي تتجلى بأن البطلين لا يتحدثان ذات اللغة ولا يفهمان بعضهما البعض.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/09/22، العدد: 10759، ص(16)]تحويل الواقعي إلى سايبري باريس- شهد هذا العام صدور فيلم “الوجه” من 20 دقيقة للمخرج الفرنسي سيلفيستر ليستا، الذي عُرض ضمن أسبوع النقاد في مهرجان كان الأخير، عمل ليستا سابقا ككاتب سيناريو ومخرج لعدد من الأفلام الوثائقية. ويعتبر “الوجه” فيلمه الروائي الأول، وفيه يحكي قصة مصمّم ألعاب الفيديو الياباني ماساتو كيمورا الذي يعمل على صناعة لعبة قتالية بالتعاون مع شركة فرنسية، وفي صالة العرض المسؤولة عن تقديم اللعبة يلتقي الأخير بكامي التي تعمل هناك، حيث يطلب منها أن تسمح له باستخدام وجهها ليضعه على الشخصية الرئيسية في اللعبة. يصل كيمورا إلى صالة العرض صامتا لا يحدّث أحدا، ترافقه كامي بعدها إلى غرفة الفندق الخاصة به، لنشهد بعدها افتتاح معرض فني للتعريف باللعبة، فألعاب الفيديو لم تعد حصرا على الأطفال والمراهقين، بل صارت قطاعا فنيا جديدا ذا معالم جمالية وثقافية، وخصوصا أن الألعاب الجديدة فائقة الواقعية تحاكي الجسد البشري وتتفوّق عليه ضمن فضاء افتراضي، فهي تحوي عوالم مصطنعة يمتد فيها البشري شكلا وسلوكا ضمن الشاشة. كيمورا يريد لوجه كامي أن يُسقط على جسد آنا، الشخصية الافتراضية في اللعبة، وحسب السيناريو المفترض للعبة آنا لم تَقتل أبدا، وإثر التحاقها بالجيش تفرز في مكان قريب من مفاعل تشيرنوبل لتقاتل وحوشا مشوّهة، وبعد موافقة كامي نشهد عملية تحويل الواقعي إلى سايبري، إذ تُلصق مجسّات الحركة على وجه كامي وجسدها، لنراها تحولت إلى هيكل عظمي مضيء، يلتقط عبره كيمورا حركاتها وتفاصيلها، وكأننا أمام استنساخ لا جينيّ للجسد البشري يتجاوز فيه الجسد الجديد حدود عالمنا هذا نحو عوالم مفتوحة لا يمكن توقعها. تحضر آنا في أحلام كامي، الحضور السايبري يتفشى في عالمنا الفيزيائي، كامي أصبح لها نسخة لا تطابقها، فما حدث ليس استنساخا، بل أشبه بالتحول الجينيّ- الرقميّ، وهذه الأحلام تسخر من أنظمة علم النفس التقليدية، فآنا لم تلود من تراب، هي بيكسلات ومعادلات تتحرك في الشاشة نحو اللانهاية، إثر ذلك تذهب كامي لمقابلة كيمورا، وحين تسأله عن سبب اختياره لها، تصدمها الإجابة، فهي حسب تعبيره “عاديّة”، والعادية هي “الأجمل”، صدمة هذا الجواب تترك كامي حائرة، تحاول تقبليه، فينفر، لتعود بعدها إلى منزلها. تتابع كامي بعد الحادثة حياتها “العاديّة”، تخلع حذاءها، تقف أمام المرآة لتنظف أسنانها، وفجأة تتلاشى من أمامنا، العاديّ الذي يشبه الجميع يمكن استبداله كونه أشبه بمادة أوليّة متجانسة ويشبه غيرها من العادييّن، فالمصادفة هي التي جعلت مصمم الألعاب الياباني يستخدم وجه كامي. هذه المفارقة بين المادة الأوليّة والصانع تتجلى بأن الاثنين لا يتحدثان ذات اللغة، لا يفهمان بعضهما البعض، فكامي عَلمت لم اختارها باستخدامها وسيطا للتواصل معه، وهو تطبيق للترجمة موجود على هاتفها، فهي بالنسبة إلى كيمورا مجرد طين يمكن أن يوجد في كلّ مكان، لا يهم رأيها وتاريخها الشخصيّ، المهم أن تكون صالحة للتكوين. وبعد تلاشيها نرى كامي فقط ضمن اللعبة، لكنها آنا الآن، ولا شيء في العالم الرقميّ ومغامراته يشبه ذاتها القديمة، فقط الوجه هو المألوف، إذ لم يبق سوى انطباعات عن كامي، حركات وجهها، ابتسامتها، نظرتها الحائرة، هي حقيقة لم “تحدّق” في المرآة، فقط، اختفت، وتركت وجهها للعبة.

مشاركة :