«إن التاريخ في ظاهره لا يزيد على الأخبار، ولكنْ في باطنه نظر وتحقيق» (ابن خلدون) حينما تبحث في التاريخ، تحاصرك الأسئلة، يتجه فكرك نحو مدى مصداقية كاتب التاريخ من عدمها، وتمر التساؤلات: هل كل ما نقرأه عن التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر، يحمل مصداقية ولا يلحقه الشك؟ هل هناك تدخلات معينة أثرت في صياغته، وعباراته، وكلماته؟ وسؤال آخر: هل تمت كتابة التاريخ بمهنية، أم برومانسية؟ هل الأحداث التاريخية نقلت بمصداقية موثوقة وحياد علمي، أم بحسب وجهة نظر وأيديولوجية كاتبها؟ حتى الأحداث المعاصرة ورغم زخم التكنولوجيا، قد لا يتم نقلها بأمانة ومصداقية للأجيال القادمة، السبب هو الخوف من التاريخ، لا يمكن بأي حال نقل الحوادث التاريخية بحذافيرها من دون تدخل مشرط الجراح الديني أو السياسي أو الأمني أو الاجتماعي أو حتى الثقافي، هذه طبيعة الأشياء، وهذا ديدن الإنسان الذي يخشى التاريخ أكثر من أي شيء! التاريخ قد لا يكتبه المنتصرون على كل حال، فقد يكتب الخائفون التاريخ بناء على قياسات الخوف، ويكتبه المستفيدون بقياس الفائدة، والمتضررون بقياس الضرر، أما مسألة الكتابة الحيادية الصادقة للتاريخ، فهي «ترف» لم يحدث، ويصعب أن يحدث حاضراً ومستقبلاً، ذلك أن للتاريخ أنياباً يخشاها صانعو التاريخ، نتيجة عوامل معروفة. هل نستطيع أن نقول إن أسباب تشويه حقائق التاريخ نفسية؟ نعم قد تكون ذلك، لكنها أيضاً قد تكون تحقيقاً لمصالح عليا لدى الشخص نفسه أو الجهة أو الدولة. سأعطي مثالاً، ولتقريب الفهم، أنت شخصياً لو كان الأمر بيدك لحرفت في صفحات تاريخك الشخصي، وهنا أتحدث عنك أنت، وليس عن تاريخ بلدان ودول، لأنك كإنسان طبيعي لا تريد سوى ذكر المحاسن، وتخشى أن تدون في صفحاتك تفاصيل فشلك أو إخفاقك، أنت لا تريد سوى كتابة أفضل الصفحات كي تكون الـcv المشرف لك، إذاً كيف حال الدول؟! ليس دفاعاً عن المؤرخين، لكنها الحقيقة المرة للنفس الإنسانية. فالإنسان أحياناً يكون ضعيفاً أمام أحداث حياته، فما بالك بمؤرخي الدول، وضغوط الأمن والساسة المتوقعة عليهم. للتاريخ فلسفته الخاصة، التي تتواجد في كل سطر من أسطر كتبه، ففي الحدث الواحد يندر أن يتفق المؤرخون على صياغة واحدة، بل ستتدخل العوامل التي ذكرتها في السطور السابقة، نحن نخشى التاريخ، لأن غريزتنا الإنسانية تخشى الحق أحياناً! إدراك الإنسان، وسلوكه الشخصي، وخوفه من تذكر الفشل، واستيعاب الظروف، هي ما يدفعه إلى التدخل لبتر أو إضافة أي عبارة، وليس فقط كلمة في التاريخ، لذلك قبل أن تنتقد، راجع واسأل نفسك: هل ستستطيع كتابة تاريخك الشخصي المحض بصدق؟يوسف عوض العازمي
مشاركة :