الكثير من المعطيات تغيرت ولا بد من مواكبة فعلية للعصر لا الامتناع عن مناقشة بعض المواضيع داخل الإطار العائلي تحت مسمى عيب.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2017/03/28، العدد: 10585، ص(21)] “نحن نعيش في مجتمع يعلم المرأة كيفية تجنب الاغتصاب عوض أن يعلم الرجل ألا يغتصب”، لفتت انتباهي هذه التغريدة لأحد النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، لا سيما عبارة “أن يعلم الرجل ألا يغتصب”. أثارت هذه الجملة في نفسي العديد من التساؤلات؛ عن أي رجل يتحدث؟ ألا يغتصب من؟ والواقع أن قضايا الاغتصاب في جل الدول العربية باتت تطالعنا في الكثير من المواقع الإخبارية. وليتها اقتصرت فقط على العبارات القليلة المعتادة “شاب يوقع فتاة بالإكراه”، “مجموعة من الشباب تحول وجهة قاصر”، لكن حصل تحوير في الأدوار ركزت عليه المواد الإعلامية في المدة الأخيرة، حيث أصبح الجاني هو إما الأب غالبا أو أحد ذويه. في السابق كانت ترتكب جرائم قتل باسم تنظيف شرف العائلة حتى وإن كانت الفتاة ضحية الاعتداء عليها بالقوة دون رضاها، حيث يعمد أحد إخوتها الذكور أو والدها أو عمها إلى التخلص من العار وتلميع صورة اسم العائلة بقتلها لأنها تعرضت للاغتصاب ولوثت شرف العائلة الكريمة دون مراعاة لحالتها النفسية والجسدية والاكتفاء فقط بأنها أنثى. وصارت اليوم ضحية اغتصاب لحقها في طفولة في كنف أسري سوي لا فقط معاناة نفسية وجسدية تـرافقها مدى العمر. ومن بين هذه الوقائع التي جدت، مؤخرا، اتهام إحدى العائلات التونسية المنتمية إلى وسط ريفي، علما أن الأرياف بحسب المتعارف عليه تشتهر بتشددها في قضايا الشرف وهتك الأعراض، لشيخ الـ63 باغتصاب ابنة أخيه البالغة من العمر 13 سنة، وأنها حامل منه. كما أثار تعرض طفلة عمرها 12 سنة منتمية أيضا إلى وسط ريفي بتونس إلى الاغتصاب الجنسي من طرف والدها بعد وفـاة والدتها، غضـب واحتقـان النشطاء على الصفحات الاجتماعية. ولا يقف الأمر عند هذه الحوادث حيث أطلقت إحدى الأمهات منذ مدة في برنامج تلفزي صرخة استغاثة مطالبة بوضع حد لمعاناتها هي وبناتها وابنها الصغير من زوج سكير لا يسأم من محاولاته اغتصاب أبنائه بمن فيهم الطفل. وبالرجوع إلى بعض الوقائع التاريخية نجد أن حب البقاء دفع البشر أيام الحروب إلى النهـش في بعـض الجثث ضمانا للعيش، وحشية مبررة، ولكن ما الذي يبرر نهش بعض أولياء الأمور لأعراض أبنائهم؟ والحال أن جل البلدان العربية لا تمر بظروف صعبة إلى حد تصبح معه جريمة الاغتصاب مشروعة، ومعنى أنها من القضايا القديمة لا يعلل تصدرها طليعة الأخبار المتداولة على مستوى عربي وعالمي، عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي. حتى مسألة التغرير لم يعد هناك ما يبررها لأن الشباب اليوم أكثر انفتاحا من ذي قبل، إذ سهلت شبكة الإنترنت الاطلاع على مسائل غير مطروحة وتتحرج العائلات من الخوض فيها مع أبنائها، من ذلك العلاقات الزوجية والجنس وغيرهما من المسائل التي لا تناقش ضمن الإطار العائلي. كما أن المواقع الاجتماعية تمثل فضاء منفتحا على الكثير من التجارب التي تحدث من خلالها أصحابها من كل الشرائح الاجتماعية عن بعض المواقف والأحداث التي طرأت على حياتهم وأحدثت فيها فرقا، لتتعظ منها البقية وألا تقع في الخطأ نفسه. هل المجتمعات العربية مثلما جاء في التغريدة حريصة فقط على تعليم المرأة كيفية تجنب الاغتصاب؟ ولكن كيف تتعلم تجنب أمر بهذه الخطورة دون وعي وإلمام بالكثير من الأمور؟ هل الاغتصاب فقط ممارسة الجنس بالقوة مع أنثى دون رضاها؟، أليس التغاضي عن نشر التوعية والإرشاد في المسائل الجنسية جريمة اغتصاب أيضا؟ تغيرت الكثير من المعطيات ولا بد من مواكبة فعلية للعصر لا الامتناع عن مناقشة بعض المواضيع داخل الإطار العائلي تحت مسمى عيب. كاتبة من تونسشيماء رحومة
مشاركة :