أنين الكتابة

  • 5/3/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي حينما دلقَ ذلك المداد، أجزمُ أنه استشعر حرارته بين السطور، وأن دفقة منه أحرقتْ ثوب مشاعره البالي، لم يكن في مقدوره توجيه دفة الحروف، فالرياح المقبلة من ناصية الشجن الأيمن كانت تعاند مفرداته، ترهقها، وترسل عليها حمماً من لظى جرحه القديم، لم يكن يأبه لزوال استدارة وجهه الشاحب، ولم يكن يحفل بليل شغفه المثقوب عند أطراف الحياء، كان يرى في رتقه ببضع كلمات وردية فخراً لأماسيه وانتصاراً لملذاته، وتجسيداً لدوره الكازانوفى الذي ظل يلعبه في ممالك العذارى، كانت تلين في راحته العبارة، فلا تسمع غير شقشقة الحروف وهمساتها، ترحل من عنده في كامل ألقها وتمام زينتها، ويكون هو في تمام زهوه، حينما يراها ترفل في ثوبها القرمزي الداكن، كان ينتقى مفرداته كما ينتقى عطره، غير أن وتر القوس اشتد، في ذلك اليوم الخريفي المطير، الذي عبرت فيه رسائله دوائر الخدر، واستقرت كسيرة في شباك العقل ومصائد الظنون، عجزت عن هدهدتها، نون النسوة، محطات القبول، وكل تاءات الخجل، كانت على أريكتها، تأرجح أفكارها قبل أن يتأرجح جسدها اللادن، آثرت أن تتصفحها بعيداً عن وسائد القلب والخرافة، وأن تعرضها على (فلاتر) الضمير لا منابع الإحساس، اخترقت بأنوثتها الجدر والمسام، وقلبت حروفها على جمر الكتابة، فتناهى إلى سمعها فداحة الصوت، الصوت المميت، داء الكتابة القديم، يا الله! إنه الأنين القاتل، ينبعث من بين السطور، فاحترق على أثره المداد، وتســـاقطت بضــع وريقات.

مشاركة :