حتى نتمكن من استيعاب التحولات المستقبلية والفرص والتحديات التي سنواجهها علينا استيعاب حجم التحولات التي صنعها توفر الإنترنت خلال السنوات القليلة الماضية. ما يتم إنتاجه من بيانات رقمية كل يومين يعادل ما تم إنتاجه من بيانات منذ فجر الحضارة وحتى العام 2003، وخلال العقد الماضي ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت من 350 مليون مستخدم إلى 2 مليارا، ومن المتوقع خلال عقد واحد أن يستخدم الإنترنت الخمسة مليارات شخص المتواجدين على سطح الأرض الذين لم يسبق أن تواصلوا بالإنترنت. على مستوى التقنية وسرعة الحواسيب من المتوقع أن ترتفع سرعتها إلى 64 ضعف السرعة المتوفرة في العام 2013م خلال عقد تقريباً، وسيكون دور الهواتف المحمولة أكبر من دورها المحدود اليوم لتكون بمثابة مساعد شخصي يقضي مختلف الأعمال ويساعد الإنسان على التفكير. على مستوى تطور الحواسيب ودقة مخرجاتها ستتحلى بذكاء يمكنها من القيام بمهام ذاتية دون الحاجة إلى تدخل الإنسان، ومنها على سبيل المثال قيادة السيارة حيث أعلنت جوجل الأسبوع الماضي نتائج تجربة الحاسوب (القائد الآلي) للسيارات وصدرت موافقة عدد من الولايات في أمريكا على اعتماد تنقل السيارة من خلاله، ولنا أن نتخيل حجم التحولات لاسيما وأن قيادته للسيارة كفيلة بتخفيض نسب حوادث السير بحسب الدراسات التي أعدت. على مستوى التربية ستكون مهمة الأسر أصعب بكثير مما هي عليه اليوم حيث لن يكون دور الأسر مقتصرا على التربية والمتابعة في العالم الواقعي بل المتابعة والرعاية خلال العالم الافتراضي كذلك، حتى لا يقوموا بأعمال تؤثر سلبا في مستقبلهم في العالم الواقعي، وفي المقابل سيكون نمو الأجيال وتفاعلهم في العالم الافتراضي أعلى بكثير مما سيكون في العالم الواقعي، وستكون المهمة الشاقة للأسر تعليم أبنائها الخصوصية والأمان عند استخدام الإنترنت، وعلى أثر ذلك ستقدم شركات التأمين أنماطا جديدة من التأمين منها التأمين ضد ممارسات الأبناء على الإنترنت وكذلك التأمين ضد السرقات والاختلاسات وغيرها عبر العالم الافتراضي. على مستوى المجتمعات سيعيش كل شخص في عالمين بهويتين الأولى في العالم الافتراضي والآخر في العالم الواقعي كما سيكون من الصعب أن نصف للأجيال كيف كانت الحياة قبل الإنترنت. على مستوى التعليم سيكون أكثر تفاعليا وسيكون للطلاب قدرة أكبر على حضور الفصول التعليمية وكذلك الفصول الافتراضية وسيكون تركيز التعليم على التفكير الناقد والقدرة على حل المشكلات، وسيمكن العالم الافتراضي مواهب ومبدعي العالم من تحقيق أرباح من التجارة وأداء مختلف الأعمال أكثر مما هي عليه اليوم. ماذا عن الإرهاب والجريمة والصراعات الدولية؟ على مستوى الإرهاب سيأخذ جانبا آخر لا يقل خطورة عن الإرهاب في واقعه الحالي حيث سيحاول الإرهابيون من خلال العالم الافتراضي اختراق الشبكات الإلكترونية للأسلحة، بينما على مستوى الجريمة ستكون هناك محاولات لتزوير الهوية وانتحال الشخصية وغيرها من الجرائم التي ستستحدث في العالم الافتراضي. فيما يعنى بالصراع الدولي قد تخوض دولٌ حروباً في العالم الافتراضي بينما تكون في سلم في العالم الواقعي، وهو كذلك سيحتم على الدول أن يكون لديها نوعان من السياسات الداخلية والخارجية الأولى للعالم الإفتراضي والأخرى للعالم الواقعي. ما ذكرته هو جزء من التوقعات المستقبلية دوّنها رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لجوجل إريك شميت ومدير الأفكار في جوجل جارد كوهن في كتاب أسمياه العصر الرقمي الجديد والذي ألفاه بعد الاطلاع على عدد كبير من الأبحاث وزيارة أكثر من 35 دولة خلال العامين اللذين استغرقاه في تأليف الكتاب وعلى إثره دونت تصوراتهما عن المستقبل القريب.
مشاركة :