عواصم - وكالات - سقط مئات الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح، أمس، في مجزرة «كيماوية» جديدة ارتكبها النظام السوري في ادلب، وأثارت عاصفة تنديد دولية، وسط تحذيرات من أنها تضع مساري مفاوضات «جنيف» و«أستانة» في مهب الريح.وفي حين يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً، اليوم، بناء على طلب فرنسا وبريطانيا، حمّلت الولايات المتحدة والدول الأوروبية نظام بشار الأسد مسؤولية المجزرة، وسط دعوات إلى محاسبة مرتكبيها.وأحصى المرصد السوري لحقوق الانسان، نقلاً عن مصادر طبية، مقتل «58 مدنياً على الاقل بينهم 11 طفلاً صباح الثلاثاء (أمس) جراء اصابتهم بحالات اختناق، اثر تنفيذ طائرات حربية قصفاً بغازات سامة على مدينة خان شيخون في محافظة ادلب».وتسبب القصف بعشرات حالات الاختناق الاخرى، ترافقت وفق المرصد مع «أعراض إغماء وتقيؤ وخروج زبد من الفم».وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر مسعفين من الدفاع المدني، وهم يضعون كمامات ويعملون على رش المصابين الممددين على الأرض بأنابيب المياه.من جهتها، أكدت مديرية صحة إدلب التابعة للمعارضة سقوط 100 قتيل وإصابة 400 آخرين في «القصف بغاز السارين» على خان شيخون.ونشرت شريط فيديو من داخل أحد المشافي الميدانية يظهر فيه عدد من الأطفال وهم ممددون على الأسرة ويتلقون الاسعافات.وفي أحد مستشفيات خان شيخون، نقل مراسل لوكالة «فرانس برس» مشاهدته لاطباء ومسعفين كانوا يحاولون إنقاذ طفلة من دون جدوى قبل أن يغلق احدهم عينيها، ليحملها والدها ثم يقبل جبينها ويخرج بها من المستشفى.وأثناء تواجد المراسل في المكان، تجدد القصف الجوي على المدينة ليطال المشفى ذاته ما ألحق به دماراً كبيراً.وقصفت الطائرات الحربية أولاً مكاناً قريباً من المستشفى قبل أن تستهدفه بضربتين اضافيتين، أدت الاخيرة الى دمار كبير. ولم يتمكن المرصد من تحديد ما إذا كانت الطائرات التي نفذت الغارات سورية أم روسية، لكن وزارة الدفاع الروسية أكدت أن طائراتها «لم تشن أي غارة في منطقة بلدة خان شيخون»، كما نفى جيش النظام استخدام أسلحة كيماوية.وكان النظام السوري وافق في العام 2013 على تفكيك ترسانته الكيماوية، بعد اتفاق روسي - أميركي أعقب تعرض منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، لهجوم بغاز السارين في 21 أغسطس 2013 وتسبب بمقتل المئات. وتم التوصل الى الاتفاق بعد تهديد واشنطن بشن ضربات على دمشق.ويعد هجوم أمس، وفق مدير المرصد رامي عبد الرحمن، ثاني أكبر اعتداء بسلاح كيماوي منذ اعتداء الغوطة.وأثار الهجوم ردود فعل منددة من المعارضة السورية والدول الداعمة لها.واعتبر كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات الى جنيف محمد صبرا ان «الجريمة تضع كل العملية السياسية في جنيف في مهب الريح، وتجعلنا نعيد النظر بجدوى المفاوضات»، وذلك بعد أيام على انتهاء الجولة الخامسة منها برعاية الامم المتحدة.وسأل صبرا «إذا كانت الامم المتحدة عاجزة عن ردع النظام عن مثل هذه الجرائم، فكيف ستنجز عملية سياسية تؤدي لانتقال سياسي في سورية؟».وجاء موقف صبرا بُعيد مطالبة ائتلاف المعارضة «مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة على خلفية الجريمة، وفتح تحقيق فوري» متهماً قوات النظام بتنفيذ القصف.وبالفعل، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت مجلس الامن إلى «عقد اجتماع طارئ»، معتبراًَ أن «استخدام أسلحة كيماوية يشكل انتهاكا غير مقبول لاتفاقية حظر الاسلحة الكيماوية ودليلا جديدا على الهمجية التي يتعرض لها الشعب السوري منذ سنوات طويلة».بدوره، أكد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ضرورة التحقيق بالهجوم «الكيماوي» ومحاسبة منفذيه.وبناء على طلب فرنسا وبريطانيا، تقرر عقد اجتماع لمجلس الأمن اليوم، وفق ما اعلنت السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية للمجلس خلال الشهر الجاري.وعلى هامش مشاركها في مؤتمر بروكسيل بشأن سورية، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني «بالطبع المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق النظام. لكن هذا يشكل تذكيراً دراماتيكياً بأن الوضع على الارض لا يزال مأسوياً في مناطق عدة من سورية».وفي أنقرة، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اتصال هاتفي ان «مثل هذا النوع من الهجمات غير الانسانية غير مقبولة»، محذراً من «انها قد تنسف كل الجهود الجارية ضمن اطار عملية أستانة»، في إشارة إلى المحادثات التي ترعاها روسيا وتركيا الى جانب ايران وتهدف أساساً الى تثبيت وقف إطلاق النار المفترض في سورية.وفي واشنطن، ندد البيت الابيض بـ»الهجوم الكيماوي المشين الذي استهدف أبرياء بينهم نساء وأطفال».وقال المتحدث باسمه شون سبايسر ان «هذا العمل المروع من جانب نظام بشار الاسد هو نتيجة ضعف الادارة السابقة وانعدام التصميم لديها»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تقف الى جانب حلفائها في انحاء العالم للتنديد بهذا الهجوم الذي لا يمكن القبول به».ورغم اعتباره ان «من مصلحة» السوريين عدم بقاء بشار الاسد في الحكم، فإن المتحدث اعتبر انه ليس هناك في هذه المرحلة خيار فعلي لتغيير النظام.وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق، أسفرت غارات كثيفة شنتها طائرات النظام، أول من أمس، على ثلاث بلدات، عن مقتل 28 مدنياً على الاقل.
مشاركة :