تؤكّد القاصة المغربية خديجة عماري أن مجرد التفكير في أدب نسوي يجنّس الأدب رجالياً أو نسائياً، ويضع الأول في الخانة الأولى والثاني في الخانة الثانية، بل يصوّر للمتلقي أن الأدب النسوي تقليد للأول وأن الكاتبة لا تستطيع أن تعطي إبداعاً جديداً يخرج عن طبيعة الإبداع الذكوري. معها الحوار التالي. يلمس قارئ مجموعتك الأخيرة «الفوتوغرافية» شاعرية في أماكن كثيرة من جسد النص السردي، وهو أمر يتحقّق عن طريق اللغة وتقنينها ومعرفة كيميائها. كيف حققت ذلك؟ يملك كل مبدع طريقة خاصة يخرج من خلالها ثورته الداخلية إلى الوجود، الرسام بريشته، والنحات بتماثيله، والكاتب بقلمه... وسار الكُتاب على دروب مختلفة، فمنهم من أهلّه شغفه واجتهاده ليكون شاعراً، أو قاصاً أو روائياً. يرتبط الأمر بالدرجة الأولى بملكة العطاء التي يولد بها المبدع، وما إن يكتشفها حتى يسعى إلى صقلها وتلميعها. بناء عليه، يبدأ الأمر مع ملكة وينتهي باحتراف ممزوج بها. في ما يتعلّق بتجربتي، بدأت بالشعر الحر واهتممت بترجمته من العربية إلى الإنكليزية. كنت أكتب بموازاة القصة، لكن ما كان لحبيبين أن يجتمعا في قلبي فبقيت القصة رفيقتي، وتضاف إليها حبيبة أخرى هي الرواية التي أحاول طرق أبوابها. وجدت في القصة الفضاء الذي لم تمنحه لي القصيدة، ونصيباً من الحرية في المشي على السطور بطولها وعرضها مستغلة كل ما يتدفق في داخلي من أفكار وتجارب وقراءات ومؤثرات تراكمت في وعيي ولاوعيي، حتى حدثت تلك «اللحظة». قصاصات صدرت لك مجموعات قصصية أخرى من بينها «قصاصات من حياة امرأة»، و«لاعبة النرد». ماذا عنها؟ تتضمّن «قصاصات من حياة امرأة» 13 قصاصة، تحمل كل واحدة منها عنواناً وقصة مختلفين، بطلاتها نساء شكلن قلب الحدث ومحركه، فهن من المراكز والمستويات الثقافية والاجتماعية كافة، وتختلف أوجاعهن من ضحايا جور المجتمع، أو ضحايا أنفسهن وظروفهن النفسية والشخصية. دونتها خلال عام كامل، وكانت حاضرة في معرض الدار البيضاء الدولي بعد 20 يوماً من صدورها 2014. تتألف «لاعبة النرد» من 12 قصة، الريادة فيها لسيدة تملك أساليب التميز والمهارة لنيل الفوز في النهاية. في النص، نرى كيف كانت المرأة قديماً «قطعة» واليوم «لاعبة»، واللعب هنا لا يساوي الاستهتار أو التعذيب بشكل سادي، ولكن يقصد به التحكم بالمصير واتخاذ القرارات لنيل الأنا المستلبة قديماً، ذلك في سلم وتعاون مع الرجل. في مجموعة «ثمرة الصنوبر»، حاولت قدر الإمكان أن أجعل الشاعرية اللغوية منبثقة من عالمي الداخلي كي لا يخونني الحرف وأخلط بين نوتات لحن امتلأت به. القضية وحدها أحياناً غير كافية لكن بالأسلوب الجميل والممشوق تكتمل الصورة التي يبحث عنها الكاتب كما المتلقي. فاللغة الجميلة المفعمة بالأحداث تحقق شربة ماء عذب لبداية جديدة، لفعل ربما يحقق الغاية المنشودة من الكتابة القصصية ذاتها، وهمنا من الكتابة قضية بحجم العدالة التي باتت غائبة اليوم، نظراً إلى ما يشهده العالم من بلبلة، ألغيت معها إنسانيتنا. أما عن الإصدار الأخير «الفوتوغرافية» فعبارة عن مجموعة من الصور القصصية تلتقطها الشخصية البطلة من الحياة المعاشة وتقدمها لنا بلسان الشخصيات. المرأة قارئ أعمالك يجدها متحيزة وموجهة إلى المرأة. لم أفكر يوماً خلال الكتابة أن يكون هم كتابتي وهدفها معالجة قضايا المرأة فحسب، بل تجاوزتها إلى هموم إنسانية أعمق تهمّ الأفراد كلهم من دون استثناء. صحيح أن الكتابة ترسم نفسها من خلال اليوميات التي أعيشها فيؤثر فيّ هذا الحدث ويهزني ذاك ويشدني آخر، وعندما تمتلئ محبرة أفكاري أسكبها شخصيات حبرية على الورق. ربما يُلاحَظ رجوح كفة قضية المرأة عن غيرها من القضايا التي أعالجها كوني أحتك بهموم النساء وتفاصيلهن وأوجاعهن أكثر، فنحن نكتب الأمور التي توجعنا وتحركنا وتثقلنا ونحس بمسؤوليتنا تجاهها. يقول فرانز روزنتال: «الحياة التي تخلو من الشعر هي حياة غير جديرة بأن تعاش» كيف تعيشين في لحظات اللاشعر؟ أشد ما يؤلمني عندما أقف لأفكر في هذا الفعل الجميل «الكتابة» أن أجد نفسي عاجزة عنها، غير قادرة على ترجمة كثير من الأحاسيس على الورق، هي تلك اللحظة «غير الجديرة بأن تعاش». في الحقيقة، من يبدع أي نوع من الفنون، مسرحاً أو تمثيلاً، أو شعراً... تظهر له خلال عملية الإبداع فحسب قدسية ذلك الشخص الذي في داخله، فكأنه يمارس الحياة بكل ما فيها من معنى، لكن لن يتحقق ذلك إلا مع أمة تقرأ الحياة بعمقها، ولا ترضى بغير ضمان الكرامة. مكتسبات المرأة المغربية أنجزت المرأة المغربية مكتسبات بفضل نضالها الطويل والقوى التقدمية. ألا ترين أن عدم تحقيق المناصفة والمساواة الكاملة بينها وبين الرجل يكرّس التمييز ضدها، ويجعل تلك الحقوق المكتسبة من دون أثر ناجع؟ أتفق معك في كون المرأة قطعت أشواطاً طويلة لتصبح على ما هي عليه، سيدة لها مكانة اجتماعية، عالمة وقائدة وطبيبة وكاتبة. جاء ذلك نتاج رغبتها في إثبات الذات وفي النهوض بالمجتمع. أما عن المناصفة والمساواة فهما أمران يصعب أن نتحدث عنهما في مجتمع فيه الرجل والمرأة مسلوبا الحقوق. هل يمكن الحديث في الإبداع عن فرق نوعي بين المرأة والرجل؟ ألا يرتبط الإبداع بالإنسان بغض النظر عن جنسه؟ مجرد التفكير في أدب نسوي يجنّس الأدب رجالياً أو نسائياً، ويضع الأول في الخانة الأولى والثاني في الثانية، بل يصور للمتلقي أن الأدب النسوي ما هو إلا تقليد للأول إذ لا تستطيع الكاتبة أن تعطي إبداعاً جديداً يخرج عن طبيعة الإبداع الذكوري. في رأيي، الأدب واحد، ولا فرق بين كتابة رجالية أو نسائية، وبين أدب أبيض أو أسود (أدب إفريقي)، وبين أدب غربي أو شرقي. لعل لكل واحد ميزاته ومواطن قوته وخصوصياته، لكنه واحد في النهاية يعكس التجارب الإنسانية المتنوعة فقط. صرخة المخاض الأولى خديجة عماري كاتبة وقاصة مغربية، وكاتبة عمود رأي تتابع الدراسة لنيل الدكتوراه. صدرت لها أربع مجموعات قصصية هي: «قصاصات من حياة امرأة»، و«لاعبة النرد»، و«ثمرة الصنوبر»، و«الفوتوغرافية». عن بدايتها مع الكتابة تقول: «لم أكن مدركة حقيقة تلك الزهرة الصغيرة التي كانت تترعرع في داخلي، وتلح عليّ أن أرسمها بحرف عاكس لتلك الحالة التي أعيشها. والحقيقة هي حالة يعيشها المجتمع الذي أنتمي إليه ويعطيني شحنة منه لأكتبه. الكتابة بمنزلة زاوية أركتن إليها لأتفحص جلياً تلك الظاهرة التي لامست وجداني محققة صرخة المخاض الأولى... كانت البداية مبكرة حتى أني أكاد لا أذكرها بتفاصيلها. لكن ما يمكنني قوله إني ولدت لأكتب، وأنا على قيد الحياة لأني أفعل».
مشاركة :