باب التأويلات يفتح على مصراعيه حول موقف الولايات المتحدة من الرئيس السوري، وكل طرف يدلي بدلوه وله في ذلك وجهة نظر واقعية.العرب [نُشر في 2017/04/10، العدد: 10598، ص(2)]قبيل زيارته لموسكو تيلرسون في حيرة من أمره دمشق – تعكس التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأميركيين، استمرار الغموض في موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب حيال سوريا والرئيس بشار الأسد، وأن الهجمة الجوية على قاعدة الشعيرات في ريف حمص لا يمكن البناء عليها لتكوين صورة واضحة حول مقاربة البيت الأبيض لهذا الملف. ونسف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الأحد التحليلات التي طفت عقب هجوم الشعيرات التي تقول بتغير أولويات واشنطن في سوريا حين قال إن “الأولوية الأولى (للولايات المتحدة في سوريا) هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية” حتى قبل أن يتحقق الاستقرار في البلاد. وأوضح تيلرسون عبر برنامج “واجه الأمة” على شبكة “سي بي إس” التلفزيونية، إن التغلّب على تنظيم الدولة الإسلامية واستئصال “الخلافة” التي أعلنها سيقضيان على تهديد لا يطال الولايات المتحدة فحسب بل يطال “الاستقرار في المنطقة بكاملها”. وأضاف “من المهم أن تبقى أولوياتنا واضحة. ونعتقد أن أولى الأولويات هي هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، متابعا “بعد الحدّ من تهديد التنظيم الجهادي أو القضاء عليه، أعتقد أنه يمكننا وقتها تحويل اهتمامنا بشكل مباشر نحو تحقيق الاستقرار في سوريا”. وتبنت إدارة دونالد ترامب منذ اليوم الأول من تسلمها مهامها في الولايات المتحدة في يناير محاربة تنظيم الدولة الإسلامية كأولوية لها، بيد أن قصف مطار الشعيرات في محافظة حمص وسط سوريا، الجمعة الماضية، ردا على هجوم كيميائي على بلدة خان شيخون في إدلب أدى إلى مقتل 87 مدنيا على الأقل، بينهم 31 طفلا، اتهم النظام السوري بالوقوف خلفه، دفع الكثيرون إلى الاعتقاد بأن واشنطن غيّرت أولويتها باتجاه إسقاط الأخير. وسبق هجوم الشعيرات تصعيد كلامي لافت من البيت الأبيض ضد النظام وعلى رأسه بشار الأسد حيث أعلن ترامب أنه لا يمكن القبول باستمرار الأسد في السلطة، بعد مجزرة خان شيخون. وفتح هجوم الشعيرات باب التأويلات على مصراعيه وكل طرف يدلي بدلوه وله في ذلك وجهة نظر واقعية، ولكن وبعد أن هدأ غبار الهجوم وإطلاق تيلرسون تصريحاته المثيرة يجد المتابع للشأن السوري نفسه مجددا قد عاد إلى النقطة الصفر لجهة عدم فهم ما ترمي إليه واشنطن. وقال تيلرسون “نأمل أن نتمكن من منع استمرار الحرب الأهلية (في البلاد) وأن نستطيع جعل الأطراف المتصارعة يجلسون إلى الطاولة لبدء عملية المناقشات السياسية”. وأكد وزير الخارجية الأميركي أن مناقشات كهذه تتطلب مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه. لكنه ركز على موسكو حيث قال “نأمل أن تختار موسكو تأدية دور بنّاء من خلال دعم وقف إطلاق النار عبر مفاوضاتها في أستانة، وأيضا في جنيف”، مشيرا إلى أن “إذا تمكّنا من تطبيق (اتفاقات) وقف لإطلاق النار في مناطق لإحلال الاستقرار في سوريا (…) نأمل في أن نتوصّل إلى الشروط اللازمة لبدء حوار سياسي مفيد”. وشدد تيلرسون أيضا في المقابلة على أنه لا يخشى من رد انتقامي روسي بعد الضربة الأميركية صباح الجمعة على القاعدة السورية التي انطلقت منها الطائرات السورية التي شنت الهجوم على خان شيخون. وقال إن “الروس لم يكونوا مستهدَفين بتلك الضربة. كان الأمر يتعلق بضربة دقيقة جدا ومتكافئة جدا ومتعمدة ردا على هجوم كيميائي، وروسيا لم تكن مستهدفة إطلاقا في هذه الضربة”. ويرى كثيرون أن تصريحات ريكس تيلرسون لم تزد الموقف الأميركي إلا غموضا خاصة إذا ما تزامنت مع تصريحات أميركية أخرى تذهب في الاتجاه المقابل وتتبنى موقفا أكثر تشددا حيال الأسد، وليس أدل على ذلك من تصريحات السفيرة نيكي هايلي التي شددت الأحد على أنه لن يكون هناك حل سياسي في سوريا طالما أن الرئيس بشار الأسد في السلطة. وقالت هايلي متحدثة لبرنامج “ستايت أوف ذي يونيون” على شبكة “سي إن إن” التلفزيونية “ليس هناك أي خيار لحل سياسي والأسد على رأس النظام”. ويرى البعض أن استمرار ضبابية الموقف الأميركي، قد يكون التفسير الأقرب له هو غياب استراتيجية أميركية شاملة للتعامل مع الأزمة السورية. ويستندون في تصوّرهم إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين قبل أيام من عملية الشعيرات الذين أكدوا فيها أن إزاحة الأسد ليس أولوية بالنسبة إلى إدارة ترامب وأن مصيره يقرره الشعب السوري. ويضيف هؤلاء أن الثابت بالنسبة إلى ترامب بخصوص الملف السوري هو تركيز موقع قدم في الشرق السوري مع الحفاظ على استقرار وأمن إسرائيل فيما التعاطي مع باقي التفاصيل (على أهميتها) محل أخذ ورد ويُبنى بالدرجة الأولى على مواقف الشق المقابل المتمثل في روسيا وإيران. وأعلنت كل من إيران وروسيا من خلال مركز للقيادة المشتركة بينهما، الأحد، نيتهما زيادة دعم الجيش السوري، مؤكدتين أن هجوم الشعيرات تجاوز “الخطوط الحمراء”، وأنهما ستردان “من الآن فصاعدا على أي عدوان في سوريا”. ويشكل هذا تطوّر لافت قد يؤدي إلى المزيد من تأزم المشهد وربما يفضي إلى نشوب حرب أوسع، ستمس الجميع، وتهز أركان النظام العالمي الحالي، أو قد تؤدي إلى مفعول عكسي تدفع القوى الكبرى وأساسا روسيا والولايات المتحدة إلى تفعيل قنوات الحوار للإسراع في الدفع باتجاه تسوية لأزمة باتت تشكل معظلة حقيقية ليس فقط على استقرار المنطقة بل على العالم أجمع. وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي سيزور موسكو الأربعاء “آمل بأن نجري محادثات بناءة مع الحكومة الروسية ووزير الخارجية سيرغي لافروف تفضي إلى سوريا مستقرة”.
مشاركة :