النسخة: الورقية - دولي بعضهم يعزف عزفاً أوركسترالياً فيتداخل الكمان مع البيانو ويـــصطحب كلاهما القيثارة لتخرج قطعة موسيقية متناغمة النتائج فيها ما يعجب عشاق الكمان ومحبي البيانو وهواة القيثارة. وبعضهم الآخر يعزف عزفاً منفرداً، فلا تخرج القطعة الموسيقية إلا بمكون واحد يعزفه عازف الكمان أو لاعب البيانو أو القيثارة، وقد يعجب المستمع وقد لا يعجبه، ويظل من يسعى لسماعها هو محب هذه الآلة الموسيقية من دون غيرها، مع وجود استثناءات بالغة الندرة لآخرين يمرون بغرض الإلمام بالشيء. مرة أخرى تعود القنوات إلى ساحات العزف، حيث الغالبية تميل إلى العزف المنفرد، فتقدم المعزوفات الموسيقية لآلة واحدة، يتناوب علىها لاعبون، بعضهم مهرة وبعضهم الآخر أنصاف مهرة. وفي المقابل، قنوات أخرى قليلة، لكنها موجودة تحاول جاهدة أن تبقي على المعزوفات الأوركسترالية حرصاً على التنوع وحماية للاختلاف وتبجيلاً للتعددية. تعدد القنوات الفضائية وكثرتها لا تعني اختلاف ما تقدمه من معزوفات، بخاصة في مثل هذه الأيام التي يسن فيها الجميع أسنانه استعداداً لانتخابات رئاسية جديدة. قنوات العزف المنفرد هي السائدة. تتكاثر البرامج في مصر وتتفجر الفقرات وتتوالد التقارير التي يفترض أن تكون ممسكة بعصا المرشحين من المنتصف، فلا تميل إلى هذا ولا تنتقص من حق ذاك، وهو ما تحاول قنوات القيام به من عدد مرات النطق باسمي المرشحين، واستعراض مقولات الاثنين، واستضافة أعضاء من الحملتين. إلا أن أسئلة بعينها، وتعبيرات وجه من دون غيرها تكشف المستور. فعام من حكم الجماعة، وقبلها ثورة عيش وحرية وعدالة وبعدها ثورة إسقاط حكم المرشد كانت كفيلة بالكشف عن اتجاهات هؤلاء. ومع هذا تبقى الصورة أقرب إلى المعزوفة الأوركسترالية مع تداخل أصوات وتشابك آلات، وإن ظلت آلة بعينها هي الأوضح. وعلى الطرف الآخر من الشاشة، يراقب الجمهور المشهد، مدركاً ان ما يجري تقديمه هو تحصيل حاصل. فمن نوى اختيار هذا المرشح قد اختاره، ومن قرر المقاطعة، فإنه غير ذاهب إلى صناديق الانتخاب لا لهذا ولا لذاك. لكن الجميع يتابع البرامج، والغالبية تجاري الشاشات. أنصار هذا المرشح يرون أن القنوات منحازة لصالح الآخر، وأتباع المرشح الآخر يرون أن القنوات لا تعطي مرشحهم المقدار الكافي من الوقت، لكن أغلب الظن أنهما يعلمان في قرارة نفسيهما إن القنوات ذات العزف الأوركسترالي والمنفرد تبذل جهوداً عاتية من أجل أن تكسب ثقة المعلنين في شأن مصداقيتها. ويستمر العزف، ولا يبارح المشاهد مكانه ولا يتزحزح عن مواقفه، كما لا يتحرك المرشحان بعيداً عن دوائرهما، فكلاهما يتوجه إلى جمهوره المؤيد ويحاول حلحلة الجمهور المضاد، ومعهما قنوات وبرامج تعزف هنا وهناك عزفاً يبدو أوركسترالياً وهو في حقيقة الأمر عزف منفرد.
مشاركة :