لا شك أن تطبيق المبادئ الاقتصادية القديمة على مدى عقود أنتج ارتفاعاً في فجوة الدخل والثروة في كل الدول، وبالتالي فاز البركسيت، كما انتصر ترامب والحلقة مستمرة. هنالك عدم ارتياح واضح للنتائج على الأرض كما أظهرته محاضرات الجمعية الأمريكية للاقتصاد في مؤتمرها في بداية السنة في شيكاغو. يمكن وصف الاقتصاد الحالي بالآتي:أولاً: في المستويات العالمية، ينخفض معدل الأسعار نتيجة المنافسة والارتفاع المتواصل السابق في الإنتاجية. ينتج عنهما ارتفاع مستوى المعيشة، وإن يكن بنسب متفاوتة بين الدول بسبب السياسة والمؤسسات والقوانين.ثانياً: تتغير العلاقات في أماكن العمل من عمودية سابقا أي عبر الأوامر والتنفيذ، إلى أفقية اليوم توثق بعقود بين فرقاء العمل مع تكليف جهات خارجية بمهمات كالإنشاء والصيانة والتجهيز. ثالثاً: هناك ارتفاع للاستدانة على مستوى الأفراد والشركات وحتى للقطاع العام بنسب تفوق ارتفاع الدخل أو الإيرادات. هذا يعني أن التمويل يجب أن يأتي من الادخار وليس من الاقتراض، منعاً لحدوث فقاعات جديدة كما حدث في سنة 2008.رابعاً: لا يمكن مقاومة التقدم التكنولوجي في جميع أقسام الاقتصاد. من لا يتابع التطور سيتقاعد باكراً حكماً. يسير المجتمع اليوم بخطى سريعة ومن لا يلحق به يترك لشأنه. خامساً: هنالك تغيرات كبيرة في أسواق العمل لأن الاقتصادات ستعتمد أكثر فأكثر على التجدد والابتكار وبالتالي على الشركات الصغيرة المبتكرة. قال أحد مؤسسي العلوم الاقتصادية «الفرد مارشال» إن الاقتصاد هو في نفس الوقت علم الثروة وعلم الإنسان. هذه العلوم هي اذاً مادية وإنسانية وأخلاقية. هنالك 4 مدارس أساسية تتابعت في تأثيرها في المجتمعات أولها في القرن 18 «المدرسة الطبيعية» التي ركزت على الزراعة. تبعتها في بداية القرن 19 مدرسة أسسها «دايفيد ريكاردو» ركزت على «الميزات التفاضلية» والتجارة الحرة كمصدرين للثروة. في القرن 19 تأسست المدرسة الكلاسيكية التي ركزت على المنافسة كمصدر للتقدم والتطور. ثم في منتصف القرن 20 ، أتت المدرسة الكينيزية لتؤكد وجود توازن اقتصادي عام لا يؤمن فرص عمل للجميع. وفي المدارس الحديثة هنالك اثنتان رئيسيتان هي الكينيزية الجديدة ومن قياداتها «جوزيف ستيغليتز» و«بول كروغمان» والكلاسيكية الجديدة برعاية «روبرت لوكاس» و«روبرت باررو».يقول الفيلسوف الفرنسي «جان بول سارتر» إن العدو المباشر للمفكر الجيد هو المفكر المزيف. فكم نحن بحاجة لمفكرين حقيقيين وفي نفس الوقت لرفض المفكرين المزيفين الذين يتكاثرون. هنالك دائما وفي جميع المجتمعات من يحاول العودة إلى الوراء والأمثلة عديدة حتى في الدول العربية. مثلا، تقول منظمة الصحة العالمية إن 100 مليون شخص ماتوا من التدخين في القرن العشرين. هنالك من يرفض ذلك . هذا الأمر مشابه لمن ينكر وجود تغير مناخي بل سخونة أرضية تقتل الإنسان والأرض والحيوان. ما يدعو للعجب أن الرئيس الأمريكي الجديد يقول إن التغير المناخي بدعة أو كذبة هدفها تأخير التقدم الصناعي الأمريكي لحساب الصين. هل هذا مقبول؟ لا يمكن لرفض وقائع وعلم أن يسوق عالميا الا اذا اعتمد على ركائز ثلاث هي نوعية أو مركز الذي يقوم به، محاولة إلصاق التهمة بمصادر أخرى لرفع الشك وثم فن أو حسن تسويق المنطق المعاكس. لا شك أن الرئيس ترامب يعتمد على الصفة الأولى، فهو رئيس الولايات المتحدة. يحاول النجاح في الصفة الثانية أي إلصاق التهمة بالصين، لكنه يفتقد إلى الصفة الثالثة أي حسن التسويق وبالتالي لن ينجح في هذه القضية. د. لويس حبيقة خبير اقتصادي لبناني
مشاركة :