حين يغلق الزمن أبوابه على خيارات صعبة لم يكن الرئيس محمود عباس يوما أكثر حزما وأكثر استعجالا في معالجة ملف الانقسام الداخلي، مثلما هو عليه الحال في هذه الأيام. إذا كان العامل السياسي هو الأساس الذي حرك كل هذه الهمة باستعادة قطاع غزة إلى حضن السلطة، فإن هذا العامل لا يتيح الكثير من الوقت للحوار والمناورات، واستنزاف الوقت لإنجاز مصالحة مقبولة بقناعة كل الأطراف.بقلم ـ طلال عوكل من الواضح بان الرئيس يقيم حساباته على أساس أن ثمة فرصة تاريخية توفرها الادارة الأمريكية، وعدد من الدول العربية المهمة، لفحص إمكانية تحقيق ما أسماه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بصفقة القرن، الفرضية تقوم على أن الفرصة تتيح للأطراف المتحمسة لهذا التوجه، لأن تضع على طاولة مؤتمر إقليمي، مبادرة السلام العربية، والنظر في إمكانية تنفيذها كصفقة متكاملة. لهذا السبب يبدي الرئيس محمود عباس جدية وحزماً أكيدا في محاولة ترتيب البيت الفلسطيني على طريقته بهدف نزع الذرائع من إسرائيل التي قد تطرح مسألة، أهلية السلطة لأن تكون شريكا في عملية السلام الموعودة. هذا بالإضافة إلى أن المراهنة على أن تتضمن (صفقة القرن)، التسليم بدولة فلسطينية ولو بمواصفات معينة أقل مما يرضي الفلسطينيين، فإن مثل هذه الدولة لا يمكن أن تكون بدون غزة. اليوم فقط نصدق الشعار الذي تردده حماس، وتردده السلطة، من أنه لا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة. ضيق الوقت، والحزم في القرار، يمنح الرئيس الدافع لطرح معادلة استرجاع غزة، من خلال الضغط الشديد والمؤلم، والذي يتخذ فرض صيغة وآليات الاسترجاع . على الفلسطينيين أن يصدقوا التهديد الذي أطلقه الرئيس أكثر من مرة، وآخره في البحرين من أن السلطة ستتخذ المزيد من الإجراءات المؤلمة لإنهاء الانقسام. تعرف حماس ويعرف كل من يتابع الأمر أن السلطة لديها الكثير من الأوراق التي من شأنها أن تحيل قطاع غزة بكل من فيه إلى صحراء قاحلة، لا تنفع في تخفيف العبء عنها، الاحتجاجات الغاضبة ولا التصريحات النارية. قاضي القضاة السيد محمود الهباش، الذي يحظى بعلاقة قوية مع الرئيس محمود عباس، ولا ينطق عن الهوا، ذهب إلى أقصى درجات التطرف، حين أفتى لولي الأمر (الرئيس) بالحق في أن يحرق غزة، إذا رأي في ذلك مصلحة وطنية، حتى لو بدى للآخرين غير ذلك. تصريحات الهباش في خطبة يوم الجمعة المنصرمة الرابع عشر من الجاري، تثير الاستفزاز والاشمئزاز، لكونه يعكس منطقا استبداديا وقمعيا وظلاميا، مرفوض وغير معهود في العمل السياسي الفلسطيني. إن منطق الاسترجاع بكل تداعياته واسبابه ودوافعه وأهدافه، لا يمكن أن يبرر مثل هذا المنطق الذي يصب مزيداً من الزيت على النار المستعرة أصلا. وفي المقابل، تقع حماس في خطأ جسيم، حين يقوم المحتجون من أنصارها بحرق صور الرئيس، ورئيس الحكومة رامي الحمد الله. واذا كان هناك من سيحيل هذا الفعل لبعض المتطرفين، أو الغاضبين من الأعضاء، فإن تصريحات عضو المكتب السياسي في حماس الدكتور صلاح البردويل، لا تقل تطرفا عن سلوك هذا النفر من أعضاء الحركة. البردويل يهدد بسحب الشرعية عن الرئيس والسلطة، وكأن مسألة الشرعية بيد حماس. هنا نقف على خطأ تأسيسي وقعت فيه حماس حين اعتبرت، وتصرفت على أساس، أنها حصلت على الشرعية الثورية، من خلال دورها الكفاحي، إبان انتفاضة الأقصى، وأنها استكملت الشرعية من خلال صناديق الاقتراع. بعد مرور هذا الوقت على وقوع الانقسام، كان على حماس ان تقتنع بأن الشرعيات التي حصلت عليها، لا تؤهلها بأن تقبض على شرعية المؤسسة والقرار، فالشرعية في هذا الزمان، لها علاقة وطيدة بالشرعية العربية والدولية، التي لا تحظى بها حماس، بالإضافة إلى شرعية منظمة التحرير. واقعيا فإن شرعية حماس في ضوء ذلك أعلى من صفر بقليل، فيما تشكل الشرعية مصدر القوة في الأساس، بالنسبة للرئيس محمود عباس. في ضوء هذا التصادم العنيف وغير المتكافئ، أمام حماس ثلاث خيارات. أو هذه الخيارات وأقلها تكلفة، على ما ينطوي عليه من خسائر وآلام، هو أن تستجيب حركة حماس لشروط إتمام المصالحة، أو التعامل الإيجابي مع الرسالة التي يحملها وفد اللجنة المركزية لحركة فتح. الخيار الثاني الذي تتحدث عنه حماس، هو أن تصمد، وأنها صدمت في سابق السنين أمام أزمات صعبة. غير أن الأزمة الحالية غير مسبوقة، والصمود أمامها أمر ينطوي على خسائر هائلة خاصة في ظل غياب أي دعم، أو مساعدة من قبل أطراف كانت تمد يد العون للحركة، انطلاقا من حسابات سياسية اختلفت اليوم عن ذاك الزمان. أما ثالث الخيارات، والذي ينطوي على خسائر وأثمان باهظة جدا، فهو الهروب إلى الأمام نحو تصعيد الوضع مع إسرائيل، بما يجر إلى حرب رابعة أكثر شراسة وإجرامية من الحروب السابقة، وربما تنطوي على أهداف جذرية، بالنسبة لدولة الاحتلال. في حسابات السياسة لا يمكن الركون إلى النوايا والأخلاق والقيم والمناشدات، ذلك أن السياسة تستند إلى المصالح التي تستند بدورها إلى ميزان القوى. السياسة مستنقع من الوحل، من يقرر الدخول إلى مربعها، عليه أن يتوقع الغرق حتى أذنيه، أو ما هو دون ذلك، فالأمر يتوقف على دقة وموضوعية الحسابات، ارتباطا بزمانها.أخبار ذات صلةطلال عوكل يكتب: مجزرة مكتملة الأركانفيديو| محلل فلسطيني يستبعد تراجع السلطة عن قرار خفض رواتب…طلال عوكل يكتب: حال العرب بين ضفتي الميتطلال عوكل يكتب : قليل مثمر خير من كثير مفقر..طلال عوكل يكتب: ملح أمريكي على جراح غائرةشارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :