طلال عوكل يكتب: حين يقرر الأسرى التدخل

  • 4/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الإضراب الجزئي الذي يخوضه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، منذ السابع عشر من شهر نيسان، ويصادف ذكرى يوم الأسير، يكشف عن صفحة سوداء في السياسة العنصرية الإسرائيلية، ويشكل في الوقت ذاته مرآة للأوضاع الفلسطينية التي تتم بالمأساوية. كان الإعلان عن الإضراب من قبل المناضل مروان البرغوثي، الذي يوصف على أنه مانديلا فلسطين، تجاوزا لما اعتادت عليه الحركة الوطنية، خلال السنوات القريبة الماضية في مثل هذا اليوم، حيث يكتفي الفلسطينيون بإصدار المواقف والبيانات والتقارير، وبعض النشاطات ذات الصبغة الشعبية. الإجراءات الإسرائيلية القمعية، بمختلف أشكالها ضد الحركة الأسيرة، كانت دائما موجودة، غير أن صبر الأسرى طال في انتظار الإفراج عنهم، سواء من خلال المفاوضات مع إسرائيل، أو من خلال صفقات تبادل الأسرى. ثمة أربعة أسرى إسرائيليين لدى حركة حماس، لكن تجربة التبادل، لا تدعو للثقة، ذلك أن إسرائيل قامت باعتقال وإبعاد العشرات منهم، ومنهم أربعة وسبعون شهيدا تعرضوا للاغتيال أو الاعتقال مباشرة، عدا عن عدد آخر قامت إسرائيل بإعادة اعتقالهم. السؤال هو لماذا أعلن مروان البرغوثي الاضراب المفتوح عن الطعام، وانضم إليه حتى كتابة هذه السطور ألفا وسبعمائة أسير من أصل سبعة آلاف؟. عن أهداف الإضراب تحدث البرغوثي إلى مجلة نيويورك تايمز الأمريكية من خلال مقال نشرته المجلة التي تعرضت بسببه لضغوطات هائلة من قبل إسرائيل واللوبي اليهودي الأمريكي. أهداف الإضراب كما أوردها البرغوثي تتسم بطابع مطلبي، وتستهدف تحسين أوضاع الأسرى والحد من تغول إدارة السجون، التي لا تتوقف عن اتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية بحقهم. وعلى الرغم مما أعلنه البرغوثي فإن رواية بعض الكتاب الإسرائيليين، تتحدث عن أن الدوافع سياسية في الأساس. تدعي الصحافة الإسرائيلية أن البرغوثي الذي حصل على أعلى الأصوات في انتخابات المؤتمر السابع لحركة فتح كعضو لجنة مركزية، إنما يعبر من خلال الإضراب عن احتجاجه الشديد لعدم اختياره نائبا لرئيس الحركة. في استطلاعات الرأي التي تجريها بين الحين والآخر، العديد من المؤسسات البحثية، يحصل البرغوثي على أعلى نسبة تصويت، في حال ترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية. على أنه من الصعب على هذا المناضل المحكوم بعدد من المؤبدات، أن يعلن عن موقفه علنيا إزاء تهميش مكانته ودوره في اللجنة المركزية، حتى في حال فكر في أن يفعل ذلك، وذلك غير مستبعد. على أن الإضراب بحد ذاته بقدر ما أنه يشكل احتجاجا على الإجراءات القمعية الإسرائيلية، إلا أنه بالقدر ذاته وربما أكثر يشكل احتجاجا على تردي الأوضاع الفلسطينية. عام 2006، كان البرغوثي قد خاض حوارا مع قيادات الحركة الأسيرة، تمخض عن ما يعرف بوثيقة التوافق الوطني، التي أجمعت عليها كل الفصائل، ويعتبرها الكثيرون الوثيقة المرجعية الأهم، التي يمكن أن تشكل الأساس البرنامجي لتجاوز الخلافات السياسية بين من يتبنى المقاومة ومن يتبنى المساومة. يبدو أن البرغوثي أدرك مدى أهمية التدخل الذي يمكن أن يقوم به الأسرى في ظل تدهور العلاقات بين سلطتي رام الله وغزة، وفتح وحماس، وفشل كل محاولات المصالحة، ذلك أن ملف الأسرى يحظى بمكانة أخلاقية رفيعة بين الجماهير الفلسطينية، ويشكل عاملا أخلاقيا ثقيلا ضاغطا على أطراف الانقسام الفلسطيني. يتزامن ذلك مع تصميم أكيد من قبل الرئيس محمود عباس، وحركة فتح، على ضرورة إنهاء الانقسام، إن لم يكن من خلال التوافق فمن خلال سلسلة متدرجة من الإجراءات، التي ستضع حركة حماس ومعها غزة في وضع صعب للغاية، وخيارات محدودة. التصميم على إنهاء الانقسام من قبل الرئيس عباس، مرتبط بحاجته لاستعادة غزة وتحضير الساحة الفلسطينية، للتعامل مع ما يعتبره البعض تصميم الرئيس الأمريكي على تحقيق تجاح في دفع الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني إلى الموافقة على صفقة تاريخية. و سواء تقصد البرغوثي و المضربون معه، التشويش على هذه المراهنة، قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس عباس والرئيس الأمريكي، في الثالث من ايار، فإن الإضراب، مع تداعياته المرتقبة التي تحرك النشاطات الشعبية المتضامنة من شأنه أن يتسبب في مثل هذا التشويش. إن كان البرغوثي قد أضمر هذا الهدف، فإن ذلك سيكون مبنيا على قراءة سياسية معمقة لطبيعة ( الصفقة التاريخية ) التي يتحدث عنها ترامب، ولا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. المشكلة الأساسية التي تواجه الإضراب، الذي تتسع دائرة المتضامنين العرب والأجانب معه، هو أنه لا يشمل كل أو معظم الأسرى، وهو أمر يدل على طبيعة التناقضات والحسابات الفصائلية، خاصة وأن العدد الأكبر من الأسرى هم من حركتي فتح وحماس. وبالإضافة إلى هذه المشكلة فإن الذهاب إلى إضراب مفتوح، ينطوي على خطر يتعلق بحياة 1200 أسير مرضى، خصوصا وأن ردود الفعل الإسرائيلية الأولية، تشير إلى صعوبة الرضوخ إلى مطالب الأسرى. على ان تصاعد واستمرار الإضراب، قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية تضع السلطة وإسرائيل في مأزق حرج، وهو ما تنتظره حركة حماس التي ستشكل لها مثل هذه الانتفاضة، ردا تعتبره مناسبا، في مواجهة الضغوط التي تمارسها السلطة على الحركة وسكان القطاع. الإضراب مفتوح ومستمر، وكذلك تداعياته المفتوحة هي الأخرى، مفتوحة على احتمالات قد تفاجئ الجميع.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :