"حياة" انتقال بارع من الخيال العلمي إلى الرعب بقلم: طاهر علوان

  • 4/17/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

حياة انتقال بارع من الخيال العلمي إلى الرعبلا شكّ أن القصص المرتبطة بالفضاء واجتياز الآفاق تتسع وتتعدد وتتنوّع ويذهب الخيال بعيدا، وأحيانا يُسرف في التحليق في تفاصيل ذلك الفضاء، وطالما هي قصص وسرديّات، فقوتها تكمن في قدرتها على إقناعنا بأن ما نتابعه من الممكن أن يقع في مجرة أو كوكب ناء أو على سطح مكوك فضائي أو مركبة فضائية.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/04/17، العدد: 10605، ص(16)]المريخ قد ينتج أعداء القدرة على إنتاج عالم بديل عن عالمنا بكل ما فيه من تفاصيل وجزئيات هي التي تفصح عن مهارة من يقدم سرديّات الخيال العلمي، ولهذا درجنا على مشاهدة نوعين من أفلام الخيال العلمي، الأول يتملك وعي المشاهد وحواسه واهتمامه، والثاني يفتقد إلى مقومات العمل الإبداعي السينمائي المتماسك، ناهيك عن إخفاقات في الشكل والمعالجة الدرامية. وفي فيلم “حياة” للمخرج دانييل ايسبينوزا (إنتاج 2017)، سوف نراجع هذه المعطيات مجتمعة ونحلل فرضية بني عليها الفيلم برمّته، فالثيمة الأساسية التي دارت في مدارها الحكاية، هي استجلاء الكواكب الأخرى والعودة منها بمحصلة، وهي هنا فرضية وجود حياة على سطح المريخ مما استوجب جلب عيّنات من التراب والأجسام المتوفرة على سطح الكوكب الأحمر لفحصها والتيقّن من وجود حياة فيها. تجري التجارب على تلك العيّنات من قبل ستة من رواد الفضاء من بلدان مختلفة، بما في ذلك تجارب حقن المواد على الفئران مثلا، وبالفعل تتحقق المعجزة التي مفادها أنّ خليّة مجهريّة قادمة من المريخ ومتوقفة عن الحياة بسبب انعدام شروط الحياة على سطح ذلك الكوكب، وما إن توفّرت تلك الشروط البيئية ضمن دائرة الحجر الصحي حتى دبّت فيها الحياة. لكن ما لم يكن في الحسبان أن تلك الخليّة سوف تكبر وتتضخم مستفيدة من كل ما هو عضوي من حولها، وبذلك تتحقق نقلة نوعية في المسار الفيلمي من الخيال العلمي إلى الرعب، ويتم خلال ذلك بث الحبكات الثانوية المحدودة. تتشابك الخطوط الدرامية في هذا الفيلم مع أن الإشكالية الكبرى في المسار الفيلمي تتمثّل في طابع التحدّي في الخروج من المأزق، حتى يتحول الفيلم برمته إلى مواجهة مباشرة مع ذلك الكائن وتتحول المشاهد إلى مشاهد سجال مباشرة.المخرج دانيال ايسبينوزا يحشد بتميز عناصر الديكور وحركات الكاميرا والغرافيك للوصول إلى بناء صوري متماسك في المقابل قادت الأحداث بضع شخصيات وتجمعت بين يديها الخيوط المختلفة المعروفة، وفي مقدمتها ميرندا نورث (الممثلة ربيكا فيرغسون) التي صارت تتابع بلا كلل الفاجعة التي أصابت أفراد الطاقم وفتكت بهم الواحد بعد الآخر، مما أوجد بيئة من الترقّب والحيرة والقلق. يمضي السرد الفيلمي في مساراته المتعددة، ونجد أن هنالك قدرة ملفتة للنظر في إيجاد خطوط درامية مختلفة متشابكة تقوم جميعها على فكرة الرعب واقتراب قدر الموت من جميع الحاضرين. ولعل ما يلفت الأنظار حقا هو البناء المكاني المميز، فمنذ اللقطات الأولى نشاهد عددا من الشخصيات السابحة في مرحلة انعدام الوزن، وهنا تتم مراقبتها وتسجيل فعالياتها وانتقالاتها في داخل الأسطوانات التي يمثلها جوف المركبة الفضائية، بالطبع تم تحشيد عناصر الديكور وحركات الكاميرا والغرافيك لتقديم سلسلة من اللقطات في منتهى الروعة والإقناع. رافق ذلك تنويع في أداء الشخصيات وهي تنتقل من مأزق إلى آخر، حيث فجأة لم تعد تمتلك أسباب الحياة على سطح المركبة، إذ أن الحجر الصحي الذي كان يعوّل عليه في عملية الإنقاذ والحجر المحكم على الكائن القادم من المريخ، كل ذلك لم يكن كافيا، ليتحول الكائن الغريب “كيفن” إلى أداة اغتيال للحياة والأمل على سطح الكوكب. من هنا وجدنا أن الحوارات بين الشخصيات وحتى مع القاعدة الأرضية تميزت برصانة ملفتة للنظر، مع أنها سرعان ما تداعت عليها قصة الصراع العميق المتواري، والذي سيظهر من خلال قوة الكائن وأذرعه الأخطبوطية الفتّاكة التي تمعن في تصفية رواد الفضاء تباعا، لتتبادر إلى الذهن حقيقة مفادها: ماذا لو تم جلب المزيد من العيّنات من المريخ ليتوفر لها المناخ على سطح الأرض، ثم ما تلبث أن تتحول إلى نسخ أخرى من كيفن ذي الأذرع الأخطبوطية الفتاكة؟ هذه الفكرة الخيالية التي ينسج عليها الفيلم أحداثه تعيدنا إلى فهم إشكالية التفاصيل التي لجأ إليها، تفاصيل حول حياة الكائن في مرحلة نموه، وبذلك منح المخرج ايسبينوزا فيلمه حيويّة شجعت على المتابعة إلى النهاية، وهي ميزة تحسب لهذا الفيلم. ربما كان من الثغرات في مقابل الحسنات الكثيرة في المسار الفيلمي عدم وجود حبكات ثانوية ذات قيمة في السرد القائم على فكرة الرعب من ذلك الكائن الهجيني الفتاك، وبذلك أصبح الصراع تحصيل حاصل واتخذ مسارا خطّيا في غالب الأحيان، كما أن فكرة الصراع مع ذلك الكائن العجيب لم تكن متبلورة بما فيه الكفاية لإقناعنا أكثر بما آلت إليه الأحداث. لا شك أن الفيلم وهو يفترض وجود حياة أخرى على سطح المريخ قد وضع أمامنا علامات استفهام عن كيفية التعاطي مع فرضية كهذه، وإلى من ستؤول حياة البشرية فيما إذا تم المضي في إنعاش قوّة الحياة في تلك العينات التي تختبئ وراءها حكاية رعب لا تنتهي؟

مشاركة :