ظاهرة خطيرة متخفية في أروقة شارع المتنبي وهي كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه لطلبة الدراسات العليا، إذ توجد مكاتب تقوم بإشاعة هذا الفساد العلمي والتشجيع عليه مقابل مبالغ باهظة.العرب وارد بدر السالم [نُشر في 2017/04/20، العدد: 10608، ص(14)] لم تستطع الثقافة العراقية أن تنجو من ظاهرة الفساد المستشرية في البلاد بكل منافذها السياسية والاجتماعية فتشكلت في ضوء معطيات الحرية المفتوحة وعدم الرقابة وسهولة النشر ولصوصية المكتبات ودور النشر وشيوع ظاهرة الاستنساخ بمطابع تجارية أهلية ما يمكن أن يكون فساداً ثقافياً واسع الانتشار لا يمكن الحد منه أو حصره في دائرة صغيرة نعدّها استثناءً. وشارع المتنبي الشهير الذي يقع في وسط بغداد هو الحبل الواصل لهذه الظاهرة بكل ما فيها من سلبيات وآثار خادعة للقارئ والزائر لا ليكون (هو) السبب في شيوع مظاهر الفساد، لكن هناك من استثمر شهرة هذا الشارع القديم بتاريخيته الثقافية. ليس المكان هو الخديعة، فالمتنبي كسوق كتاب ثقافي مكان تاريخي عمره أكثر من سبعة قرون، إنما بعضُ مَن في المكان هم الخديعة وهم غالبية لا يُستهان بها يقيسون هذا المكان بمسطرة تجارية في بيانات صاعدة للربح المادي على حساب الثقافي منه ومن ثم على حساب القارئ المتطلع لرموزه الثقافية ما كان منها عراقياً أو عربياً أو عالمياً. وقد كشف معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الأخيرة الكثير من مساوئ سوق المتنبي حينما كان الإقبال على الشراء دون المتوسط بذريعة غلاء الأسعار ورخصها في المتنبي، وهو أمر يحيل الى شيوع ظاهرة الاستنساخ وسرقة الكتب الجديدة من قِبل أصحاب المكتبات واستنساخها وعرضها بنصف سعرها أو أقل حتى من ذلك، وهذه حالة أربكت سوق البيع الثقافي في المعرض ودلّت على احترافية بعض المكتبات العراقية في تسويقها للكتاب الجديد بطريقتها غير المشروعة حينما سلبت حقوق دار النشر والمؤلف من دون روادع رسمية ومهنية. إلى جانب ذلك يشهد سوق المتنبي تسويقاً غير مسبوق لكتّاب عرب مبتدئين لا يعرفون الفعل من الفاعل ولا الكسرة من الضمّة وتقوم بذلك دور ومكتبات هامشية مستغلة غفلة المراهقين والطلبة والقرّاء البسطاء بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي والإعلان المتوالي عن روايات وخواطر ونصوص ساذجة وعناوين جاذبة وسمجة أغلبها يقع في باب تسطيح الحب في إنشائيات قديمة تغازل رومانسيات الشباب والشابات من دون أن تقدم لهم معونة أدبية رصينة. والعجيب أنك ترى “الطبعة العشرون” لكاتب مغمور أو كاتبة لا تجيد سوى خواطر الغرام والهيام وبأسلوب ابتدائي عادي سهل وفي الكثير من الأحيان لا معنى له. وتعدد الطبعات حيلة ساذجة تلجأ إليها دور نشر ومكتبات هامشية لترويج وتسويق مثل هذه الكتب التي عادة لا تطبع منها سوى 50 نسخة في كل طبعة! ظاهرة أخرى خطيرة متخفية في أروقة شارع المتنبي القليلة وهي كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه لطلبة الدراسات العليا، إذ توجد مكاتب تقوم بإشاعة هذا الفساد العلمي والتشجيع عليه مقابل مبالغ مالية باهظة تصل إلى خمسة عشر ألف دولار مقابل كتابة رسالة ماجستير أو دكتوراه لطلبة أوصلتهم المصادفات إلى هذه الدراسات أو التزمتهم بعض الأحزاب المتنفذة في الحكومة والبرلمان ليشيعوا مثل هذه الحالة الشاذة في الحياة العلمية والثقافية. وفي العادة يقوم بالكتابة أشخاص لهم علاقة بشكلٍ أو بآخر بالحياة الجامعية والمعرفة المحتملة بمصادر الكتابة الأكاديمية في أي موضوع أدبي أو إنساني، ونعتقد أن شيوع هذه الظاهرة الفاسدة يعكّر سماء هذا الشارع الموصوف بأنه شارع الثقافة العراقية الأول بلا منازِع، لكن وجود الدخلاء الذين يعرفون أن لا رقابة وطنية ولا أدبية على مثل هذا النوع من الانتهاكات العلمية جعل من المكان علامة دالّة عليهم وعلى مثل هذا الفساد الذي نخشى أن ينتشر ولا يمكن السيطرة عليه في نهاية الأمر. كاتب عراقيوارد بدر السالم
مشاركة :