العطر يبقى دائماً في اليد التي تعطي الورد. (بيجار) أخلف ورائي ضجيج التلفاز ومشاهد القتل والحرب التي تُغذّي التاريخ بالكثير من المواقف والقصص، وأدلف نحو نافذة التأمل مبتعدة قصداً عن الكآبة التي تخلقها إحباطات الاعلام فيجعل الفضاء الرحب يطبق على الارض، فيضيق صدر الأرضِ بما رحب، وبحب بطيء الخُطى تساءلت: ماذا لو كان لدي فرصة لأصلح كل اخطائي السابقة.. هل فعلاً سأستغل هذه الفرصة ؟ تذكرت عندما منحتني المصادفة أن أتعرف على نماذج من البشر أحسنوا صنعاً للحياة وقدموا لها الكثير من الجمال والدهشة، يأتون من إيقاع بحر الإنسانية إلى ترانيم الفرح، تساءلت ما الذي يدفع الإنسان ليُحدث فعل العطاء في الحياة ؟ هنا أسراب من طيور تغني، وكوكبة من كتب ضاجة بالحياة، وقصص هاربة من ضواحي اليأس إلى فضاء الحب، فتحتشد الكلمات لتخلق مزيجاً من التأملات على صفحات العقل، فما من أحد يستطيع أن يجاري جمال هؤلاء البشر المملوئين بالخير، هم مثل الاحجار الشفافة التي تعكس ما بداخلها، وأنيتا روديك أو كما تسمى بالأم الثائرة عادت إلى موطنها إيطاليا بعد سنين من الترحال في شتى ربوع العالم وبعد أن جربت العديد من الوظائف، ثم تزوجت وأنجبت طفلتين وسافرت مع زوجها إلى أمريكا وباشرت عملاً مستقلاً هو بيع مواد التجميل مما جمعته من مواد التجميل عند كل الشعوب التي زارتها. وشيئاً فشيئاً وبعد جهود مضنية افتتحت عدة فروع لمحلها الذي أسمته the body shop أو محل الجسم. وبمساعدة زوجها وإبداعه في استحداث فكرة التعهيد افتتحت أنيتا فروعاً في مئات البلدان وصارت أرباحها تقدر بالملايين. وكانت سياسة أنيتا التسويقية تقضي بالابتعاد عن الإعلانات التي تروج لوعود كاذبة وبدعم المشاريع البيئية والدقة في اختيار البائعين. وقد نالت العديد من الجوائز التشجيعية والألقاب التقديرية. وفي الأعوام الأخيرة قررت أنيتا التبرع بكامل ثروتها في مشاريع خيرية وللدفاع عن حقوق الأقليات والمضطهدين في العالم بأسره، كما ألفت العديد من الكتب. هذه القصة نقلتها لكم كما قرأتها، وأتوقف عند مشاعر السيدة أنيتا فكيف تتبرع بكامل ثروتها للمشاريع الخيرية وهي التي جمعتها بكل تعب، إن هذه القصة غير معقولة، ولكنها حدثت حقاً، إنها مثل تأمل حلم، أو مثل مسرحية داخل مسرحية مثل التي نراها في (هاملت)، وهنا يأتي الإيثار وهو المرتبة الأعلى للنفس البشرية المعطاء، هو نوع من التجلي والنقاء الذي يؤكده جيم رون في مقولته "المبلغ الذي أعطيته ليس المهم. ما يهم هو ما يمثل هذا المبلغ لحياتك". وأعود للاجابة على سؤالي هل لو كان لدي فرصة أخرى لتصحيح أخطائي، هل سأستغل هذه الفرصة؟، بالتأكيد سوف أستغلها بأن أكفر عن أخطائي بعمل الخير وزرع كل طريق أمر به بزهور الحب. *دَهشَة: آليِةُ العَالمِ مُعقَدة، وَمَديِنَة الكُتُب مَليئِةٌ باِلحُلوُلِ، وَالعَطَاء هُوَ مَا يَحشُوُ العَالمَ بِالطُهُرِ وَالحُبْ.
مشاركة :