التراث والحداثة في لوحات فاخر محمد

  • 4/23/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكفاءة التي يمتلكها التشكيلي العراقي أهلته في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين.العرب خضير الزيدي [نُشر في 2017/04/23، العدد: 10611، ص(14)]فاخر محمد: تجربة فنية عراقية مائزة في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الحركة التشكيلية العراقية تنتج خطابا صوريا أكثر فاعلية في المشهد الفني، واستطاع نفر من الشباب الداعي للتجديد في أنظمة فن الرسم أن يبدي مشروعه عبر معارض شخصية فنية تلهب حماس الناظرين لها أو مساهمات مشتركة مثلما حدث مع مجموعة الأربعة الفنية والتي كان فاخر محمد من مؤسسيها، وحدث أن استفاد الغالب من ذلك الجيل من طروحات المعلم شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي والأخذ بيدهم لمناقب الحفر والتنقيب في السطح التصويري ليوسعوا من ذائقتهم ويوفروا طرحا جديدا في التعبيرية. وبدا نجم الفنان فاخر محمد أكثر سطوعا من بين أولئك لو تمت لنا المقارنة مع غيره. فقد أملت ثقافته البصرية المتواصلة والعيش في مدينة أقرب لآثار بابل من غيرها أن تفتح خياله على رؤية اللقى والآثار القديمة والنظر لمعالم تاريخ الإنسانية فجعلته يعيد ذلك الفهم في النظر للأسطورة وتاريخ الفن العراقي وليمارس مهمته الجمالية مع الرسم التجريدي في البدء ثم سرعان ما يخط له منهجا وأسلوبا أقرب لطروحات الفنان ضياء العزاوي في إبداء القيم اللونية وتوظيف الرموز الحية لتاريخ المكان. صرامة جمالية لهذا بدا المنطق الطبيعي لمكونات فاخر محمد التعبيرية أكثر صرامة في تحقيق غايته الفنية والجمالية ويلزمنا ذلك العمل معرفة الرموز والإشارات التي تتناثر لتشكل دوالا في اللوحات وهي علامات تأخذ مكانتها من حيث التخطيط المسبق لها وتشكل بمجموعها منظومة معرفية لم تكن بعيدة في أسلوبها أو أشكالها الهندسية عن تمثلات لها منظورها المعرفي والجمالي. وهذا السياق الشكلي في استعراض كل تلك العلامات الطاغية في العمل يجترح تنوعا في العلامة والمدلول وعلى الغالب بدت ضربات الفرشاة أكثر حميمية في التعامل مع منظومة العلامة بحيث شكلت البؤر الهندسية في جغرافيا اللوحة متتاليات من الرمز والأيقونة وهي تكوين لم يوزّع على الهامش من الإطار العام للوحة بقدر ما جعلها تنفتح على أبعاد تصويرية في الشكل تبدو مشتتة إلا أن حقيقتها توظيف وتحريك لدلالات لها تاريخها العام الذي سعى إليه الفنان فاخر محمد ليظهره بشكل معاصر أكثر تعظيما في تعزيز الفكرة. تمثيل وإيحاء أعتقد أن العلامة ونظامها الإشاري نفذت باستقلالية تصويرية تتشعب في متنها الإمكانات المتخصصة في التعبير بمعنى كلما ازدادت منظومة العلاماتية في اللوحة والعمل الواحد قدمت نفسها للمتلقي بانحياز تام لتطرفها في التمثيل والإيحاء وهذه من خصائص فاخر، ولهذا السبب نجد الكثير من العلامات تتكرر في مناطق اشتغالية ثانية لوحات مرّ عليها وقت طويل وهناك ميزة أخرى تكمن في عدم انكماش تلك العلامات على نفسها لتصبح معاينة استعراضية بل الأهم من ذلك تتولد من رحمها أنسجة بنائية تضيف لخصائصها الشكلية مكوّنات داخلية تنمو وتتسارع لتحقيق أهدافها ولهذا السبب تبدو أعماله لمن لم يعرفه وكأنها تحمل متتالية رمزية وصورية توصف بأنها مكونات وأشكال غرائبية حينا وحينا آخر توصف بكونها وحدات هندسية (بدائية) كالمثلث والدائرة وبعض الرموز الرياضية والصوفية لتبادر للكشف عن هويتها.كرسي الحكاية الخرافية تحت سماء الحداثة الاستعمارية الغرائبية والتراث جراء ذلك الانطباع التكويني نجد في الجهة الثانية من قيمة التكوين الشحنة التلقائية التي تراقب ظهور النتائج التغيرية في منظور العمل وهذا التدفق البنائي يغلب عليه فرز الطبقات الشكلية التي يحافظ على سياقها فاخر محمد بدرجة عالية من الدقة فالموضوعات المقدمة في الرسم عنده حقيقتها أشكال تراثية/تاريخية وهي محاكاة ليوميات غرائبية نعيشها في واقعنا المحلي وهي متناقضات المرحلة والبيئة، وفاخر يعي المتناقضات ولطالما أكد على خطورتها في الحياة لهذا يؤكد خطابه التعبيري على مجمل أنساقها الدرامية في عمل فني ينتج فكرة مضادة تولد من رحم خصب. التنقيب والحفر في منظومته العلاماتية لا يبدو تنوعها غريبا على المستوى الشكلي للوحاته فإذا أردنا أن نتناول الأبعاد الشكلية علينا ذكر محطات التأسيس الفكري وثوابت منتجه فخبرة أربعين عاما من التواصل في الرسم وإقامة المعارض في باريس وإيطاليا والإمارات العربية ولبنان وعمان والمغرب أصبحت منفذا مرئيا ليطل من خلاله على رؤية الفن في تلك الدول وهذا ما عزز من خطابه الجمالي وأعطاه مواقع متقدمة بين أقرانه. تقنيات مغايرة لقد أهلته الكفاءة التي يمتلكها في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين مما دفع بطلابه لأن يغترفوا من منابع تلك العلامات الباقية والمتولدة من رحم تكويناته التعبيرية أو الخاصة بمؤثرات الفن التجريدي. والذي يهمنا من كل ذلك أهداف أعماله ومفهومها الجمالي فلقد صعدت من نبرة التذوق الفني عند المتلقي إزاء طروحاتها وتراكيبها الشكلية واللونية والقدرة تكمن في الجمع بين هذه النقاط وتحديدها بالوعي المتقدم وتفاصيلها التعبيرية فهناك قدرة توظيفه للعلامة التي فرضت نوعا من التكامل الدلالي لتكويناته فهو يحذف كل الأدلة التي تشير إلى مكانتها ويصنع بديلا معرفيا من أدلة مختلفة يلصقها في السطح ويتعامل على أنها منظومة معرفية قيمتها تكمن في الداخل وليس في الشكل. وهذا الإيحاء والتداخل يتطلّب منه إيجاد مكون بنائي صارم جعل من الشطب والحز واللطخات على سطح اللوحة الفنية أكثر أهمية وإمكانية بحيث تعامل مع الموقف وبلاغة العاطفة في نسب عالية من التقدم والمشاركة هو ما أهله ليبعد اللوحة عن إنشائية وتلفيق صوري. وأحسب أن عناصر بنائية أعماله تلامس منظومة التعبير وفقا لمكيدته وهي مزيج من فكر وتناقض مضموني.تشكيل غرائبي وعلاقات لونية مدهشة أيقونية الأشكال إزاء تلك التوجّهات والنظرة للرسم نجد الطابع التركيبي حادا في شعوره حينما يتعامل مع اللون والرمز ومقاضاة الاثنين في الوصول لغايته فمن مظاهر الاستلهام العاطفي نتابع برؤيتنا الأشكال وأيقونيتها كنوع من اللعب والمهارة التي تؤدي إلى المتعة والوصف وهذا يوازي الإنجاز التقني والانتقال لوضع يؤهله لفهم معنى العلاقة بين الفن والواقع وأرى أن فاخر محمد لا يعير المضمون بعدا موازيا للشكل ومتطلباته وهذا ما يؤكد مدى فاعلية وأهمية اللون عنده. فهو سبّاق بنثر اللون بصيغة تطريزية وغير بخيل في تغيره نحو الأحسن ليوفر للمتلقي علاقة حميمية بين العلامة التي تعلو السطح الرسموي وبين اللون ونسبته وروحه. الخطاب والدلالة وبفضل خصوبة وحساسية العلامة تكون الوظيفة القبض على شروط الجمال الصوري بحيث كلما تتشابك دلالات العلامة تصنع مدلولا معرفيا يتولد من رحم عناصر الدال. لقد وفر علينا هذا الفنان البحث في الشكل الظاهري وجعلنا نضاعف النظر ونمعن طويلا في العمل لنجد ضالتنا فيه ونكشف رغبتنا ورغبة الفنان في نماذج حية تأهّله أن يظل انقلابيا في التعبير الشكلي أكثر مما هو عازف عن المدلول. الدال الذي يريده قضية معقدة عنده. الإرادة الحية وأمله في النجاح والاستمرار يمليان عليه أن يؤدي دوره ويستمر في خطوطه وهويته الفنية. لقد وفر لنا كمتذوقين لفنه منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ليومنا هذا زخما معرفيا متعدد الأشكال والطرائق الفنية وأعاد لنا معرفة اللوحة وحساسيتها من حيث نظامها وخطابها الصوري ليكون بكل ذلك علامة دالة على مشهد فني استلهم من تراث ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ليمضي في بث رسالته التعبيرية سائرا على نهج معلميه. كاتب من العراق

مشاركة :