لقد نسب الزميل الدويلة تصريحا لوزير خارجية الاتحاد الأوروبي القول بعد سماع نتائج الاستفتاء: اليوم سقط أتاتورك. وقد بحثت في محرك البحث غوغل عن صحة هذا التصريح فلم أستطع تأكيده. ثم إن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي هو الإيطالية فيدريكا موغهيريني، ولدي شك كبير في أن تكون هذه المرأة المهذبة، قد ألقت بمثل هذا التصريح. فهذا النوع من التصريحات لا يمكن أن يتلفظه من هو بمركز دبلوماسي، فهو من نوع التصريحات المطلقة على عواهنها من صحافيين أو معلقي نشرات أخبار. وكل ما وجدته من تصريحات لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي كان يصب في الدعوة إلى الوفاق الوطني في تركيا. وما وجدته في موقع الاتحاد الأوروبي على الشبكة بشأن الانتخابات في تركيا كان كالتالي: «نود من الحكومة التركية أن تراعي توصياتنا بشأن حالة الطوارئ، وأنه في ضوء نتائج الاستفتاء، وأثرها ومضامينها على الإصلاح الدستوري، ندعو الحكومة التركية أن تتخذ قرارات تزيد من الوفاق الوطني». لذا لا أعلم من أي مصدر استقى المهندس الدويلة المعلومة بأن وزير خارحية الاتحاد الأوروبي صرح بعد إعلان نتائج الاستفتاء بأن مصطفى أتاتورك قد سقط. هذا ويبدو أن الزميل الدويلة وكثيرا من الإسلاميين لديهم حساسية من مصطفى كمال أتاتورك، جاهلين أو متجاهلين دوره في تحقيق وحدة تركيا ودوره الكبير في طرد الغزاة من يونانيين وروس وإنكليز وحلفائهم من الاستراليين والنيوزلنديين. والموضوعية تتطلب تقدير هذا الرجل الذي أنشأ تركيا الحديثة، بعد أن كان قد خطط المنتصرون في الحرب العالمية الأولى لتمزيقها. كما أن الموضوعية تتطلب أن نفهم أسباب تبنيه لعلمانية مفرطة رأى الشعب التركي أن يتراجع عن بعض مظاهرها بعد فوز حزب العدالة والتنمية بقيادة تركيا منذ اكثر من عشر سنوات. الجدير ذكره هنا انه في عام 1920 كان مفتي اسطنبول يبرر للسلطان محمد – آخر العثمانيين – مواقفه المتخاذلة أمام الإنكليز والروس واليونانيين، كان مصطفى أتاتورك يحشد الجيوش لمحاربتهم. فحياة أتاتورك، وعذاباته، وكفاحه، صنعت قائدا يقدره أصدقاؤه ويحبه شعبه ويحترمه أعداؤه. فقد ولد مصطفى في سالونيكا في اليونان التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وعندما طرد الأتراك من هذه المدينة عام 1912، كان ضابطا في جبهة بعيدة عن اسطنبول، لكنه اضطر للرجوع ليلتقي بوالدته وأخته في مخيم للاجئين بعد هروبهم من سالونيكا. وبعد أن وجد لهم مستقرا، تفرغ لخدمته العسكرية. وقد تميز بدوره الكبير في صد الهجوم الإنكليزي على اسطنبول في معركة غاليبولي في عام 1915 التي استمرت أكثر من ستة أشهر، فقد فيها أكثر من مئة ألف من الأتراك، والاستراليين والنيوزلنديين الذين كانوا يحاربون ضمن الجيش البريطاني. لذا بقيت هذه المعركة في الذاكرة الأسترالية والنيوزلندية اكثر منه في الذاكرة الإنكليزية. وفي عام 1919، عين قائداً عاماً لجبهة شرق الأناضول، وهو العام نفسه الذي احتل فيه اليونانيون أزمير ثم تقدموا إلى وسط تركيا حتى اقتربوا من أنقرة. وفي أبريل من عام 1920، اختاره البرلمان في أنقرة رئيسا في نفس الوقت الذي كان فيه السلطان في اسطنبول. فكان أن لجأ كل منهما لرجال الدين لنيل الفتاوى المؤيدة لكل منهما. وخاض أتاتورك ورفاقه معارك عديدة ضد اليونانيين أسفرت في النهاية عن طردهم من آخر معاقلهم في أزمير في عام 1922، هذا بعد أن كان قد وصلوا إلى مقربة 50 كلم من أنقرة. وفي نوفمبر عام 1922، هرب السلطان العثماني بسرية إلى مالطا على ظهر بارجة بريطانية. وبعدها تمكن أتاتورك من السلطة وأعلن علمانية الدولة التي أعطت المرأة حق التصويت. وكان تأسيس الدولة التركية كما يرى روجر هاردي في كتابه «البئر المسموم»، بالرغم من محاولات القوى الأوروبية منع ولادتها ومحاولاتها لتمزيقها. د. حامد الحمودHamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@
مشاركة :