قال المزارع البائس: كان لديّ مشتل جميل دمرته العاصفة، وقال آخر كان لدي منزل وسيارة جرفهما السيل ولم يبق لي شيء، وقال رجل طاعن في السن: كان لي أبناء ثلاثة ذهب اثنان منهما للعراق فقتلا، والثالث قتله حادث مروري أليم، والناس تلتف حولي تنثر الكلمات والأفكار والقصص، فالأول والثاني ينتظران التعويض من الناس، أما الثالث فينتظر التعويض من الله. يناضل الناس من أجل الوصول إلى أهداف شخصية أكثر من كونها أهدافاً عامة، وبذلك يُدفن الشيء الخلاق من تلك الأهداف، فالأطر المقلوبة لا تظهر الصور كما ينبغي لها، فالعامل المشترك بين الثلاثة المنكوبين هو الفقد وانتظار التعويض. بهذا المعنى، يمكن الفصل بين فعلين متناقضين، الفقد والتعويض، والعلاقة المتداخلة والمركبة بينهما، فالعجز أيا كان مصدره يوقف اندفاع النفس نحو ما تريده من جديد. فيقول شوبنهاور: (رغم كل التحولات التي يحملها الزمن إلى الإنسان، يبقى فيها شيء لا يتغير، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جداً أن نتعرف عليه، وأن نحدد حاله، وهذا ما نلاحظه على أنفسنا، ونشعر به في أعماقنا، فكلمنا هرمنا توالت الأحداث علينا). ولا شك أن الأدوات التي نعالج بها هذه الأحداث، تتكرر عبر الزمن وتتوالى كالأيام وسيول جدة التي جرفت الكثير من الممتلكات، وكذلك الحال في مكة وغيرها من مدن المملكة، كبدت المواطنين والمقيمين خسائر كبيرة، ولئن كان السبب هو الفقد والتعويض فله، قواعد تُبنى على قدر خسارة المصاب والعجز الذي ناله. ولو استعرضنا بعض الكوارث الطبيعية التي اجتاحت أمريكا واليابان والفلبين وغيرها من بقاع الأرض، لقال معظمنا لم يصبنا إلا جزء يسير منها، والعبرة هنا في الجواب على هذا السؤال كيف تمت عودة الحياة إلى طبيعتها في مدة زمنية قصيرة، وكيف تمت المعالجة رغم الخسائر؟ فالقدرات مهما بلغت من القوة والنظام، لا تستطيع أن تقف أمام الأعاصير والعواصف والسيول، ولكن تستطيع المساعدة والتصرّف الإنساني الذي يساند المنكوبين ويطالب بحقوقهم من شركات التأمين، بمحاذاة القانون، علما أن التأمين على الممتلكات في مجتمعنا مغيب كلياً إلا في حالات مختصرة جداً. ولو استعرضنا بعض المعلومات من شركة سويسرية نشرت إحصائيات عبر الإنترنت قد تكون قديمة قبل التجديد، ولكن لا بأس من ذكرها، أفادت أنه في وقت لاحق من هذا العام،(تسببت العاصفة كريستينا، التي ضربت شمال ووسط أوروبا بخسائر لشركات التأمين بلغت مليار دولار تمت تغطيتها، والعاصفة الأخيرة كزافييه، التي ضربت نفس المنطقة، ما تسبب بخسائر إضافية بلغت مليار دولار لشركات التأمين. وبذلك كان على شركات التأمين، تقديم 44 مليار دولار لكوارث عام 2013، وهذا المبلغ أقل بكثير من المبالغ التي تم تقديمها بكوارث 2012 والتي بلغت 81 مليار دولار). فلا يمكن أن تكون هناك معرفة وإحصائيات دون فائدة، فالتأمين على الممتلكات والبيوت والأراضي، قد يقلص الأعباء على المتضررين ومؤسسات الدولة، أسوة بدول الغرب بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية والشرقية، وضمان حقوق الفرد من انهيار المصالح، والموارد، والممتلكات، وما يفترضه التوتر على العامة من جراء الخسائر التي حلت بهم، فمهما بدأ الخلاف حول هذه الشركات، إلا أن المجتمع المتمدن يفسح المجال أمام أفراده، ويقدم لهم فرصاً عديدة وخيارات متنوعة لكي يعزز التعايش وفقاً لكل الظروف والمتغيرات والكوارث، ثم إن ثمة متسعاً من كل شيء في الحياة يشكله الوعي بدلاً من أن يشكك به، ليقحم الإنسان في جدل لا ينم عن قيمة ترتبط بحياته أو معاشه، وصراع لا يدرك المجتمع هدفه أو مسؤوليته.
مشاركة :