إننا أمة تتمتع بكل شيء (بالمال والبنين) والحقوق والواجبات والعادات والتقاليد والقيم، ونعترف أن لدينا فائضاً كبيراً من الإيجابية والأخلاقيات النبيلة والتدين والالتزام، وفائض أيضاً من الفساد والسلبية والتشدد وأضداد كثيرة لأشياء جميلة ورائعة، وبالمقابل نزعم أننا ليسنا متناقضين ولن تجد فرداً يقول ما ليس كائناً وموجوداً وملموساً. فكلما تطورت الحياة، ازداد التفاعل وظهرت خطابات جديدة، واتسعت دائرة الظهور الشخصي والجماعي فأصبح لدينا خطباء كُثر وشعراء وإعلاميون وكتّاب، وفُتحت أبواب كبيرة أهمها باب البلاغة والآفاق الجديدة، إنه فائض من كل أقسام الحياة، هو بحق العصر الذهبي. إذ إن المدخل الحيوي هنا هو المنهج السلوكي الذي يتقبل كل التطورات، بما فيها المتناقضات، فإذا قلنا لدينا فائض مادي وفقر، ومساحات شاسعة بلا سكن، ونزاهة وفساد، فيمكن أن يستنتج القارئ أن هذه المفارقات التي تنطوي عليها عدة أولويات ضخمة تنتظر صياغة ذات أمثلة تقع على هرم الإشكال الذي له صلة وثيقة بالمصلحة العامة، ومعايشة اعتبارات تجاوزت أوانها، فكثير معزول لا يمكن مناقشته في الوقت الراهن، لأن الآلية الجديدة تمضي قُدما لقمع الفقر، وتملأ الفراغ الشاسع بالمباني، وتعمل على تقليص الفارق. وحسب إحصائية "هيرمس": بلغ الفائض 266 مليار ريال من ميزانية السعودية في 2013، وعلى هذا النحو فإن التعريف لن يكون متناقضاً، إذا نظر إلينا العالم وأشار مباشرة إلى حالنا الاقتصادية بأننا لا محالة محظوظون، ومرفهون، وعلى ضوء هذا المفهوم تستقر العوامل الخارجية، والأسس السياسية. وتستجيب المؤسسة الحكومية بشكل كاف ومثمر، إلى التفاعل الإنمائي لإيجاد كفاءة عالية لهذه التفاعلات، التي تؤسس المعايير الملائمة لطور التنمية، وكاتف جميع الهيئات والمؤسسات لبناء علاقات تختلف في الصورة وتتفق في المضمون، توفر للإنسان الموارد التي يحتاجها. غير أن المرء وجوده يسوغ وجود العناصر والأوضاع، التي تشتق من بنية زمنية قديمة، ويبحث عن الحاضر المتجدد الذي يظهر سمات حديثة، تحفز على استمرار الحياة، وتعني بمصاحبة جميع الحالات، الناقصة والكاملة، فالفائض من العقلانية يدمر الخيارات العاطفية، والفائض من الوعي بين قدرات بشرية متوسطة، يحتاج إلى وسيط تمهيدي، والفائض التجاري الصيني الذي اعتمد على الدول النامية، ساهم في التكدس وفوضى التجارة على حساب الجودة أيضاً، إذن، ليس كل فائض محمود! وفي مقالة مفصله عن سقراط ذكر في مناقشاته مع الآخرين. بأنه يبدأ بطرح سؤال بلاغي، يوحي بأنه قابل للإجابة. بعد الاطلاع على الإجابات من الآخرين، ثم يستمر في طرح الأسئلة حتى تحل كل نقاط الخلاف أو حتى يقر الآخرون على عدم القدرة على إجابة السؤال. ولم يكن يدعي أنه يعرف الإجابة، ولكن هذا لم يمنع قدرته على تناول المشكلات بشكل عقلاني. بل كان هدفه في النهاية يوحي بأن طريقتنا الفكرية لفهم العالم معيبة، و وجب تجاوز ذلك للحصول على معرفة حقيقية لحقيقة الأشياء. وسيكون سؤالنا اليوم على النحو التالي: لماذا لدينا فائض من كل شيء..؟ والشعور بالنقص ملازم لكل المرافق العامة، فكلما سجلنا أعداداً أو نسباً عالية، قلنا فائضاً، وفي الحقيقة إن الفائض هو ما يزيد عن الحاجة، ومهما بلغت الميزانية فلن تزيد عن حاجة الناس، ففي التفاصيل المتفرقة لا بد أن ندرج ضحايا الحوادث المرورية والأرقام المرعبة، حيث بلغ عدد الحوادث في المملكة العام الماضي 544 ألفاً و 179 حادثاً، ولن أذكر أعداد المصابين والمتوفين لأن النسبة مؤلمة جداً، إضافة إلى 300 خطأ طبي في العام 2013، ألم أقل لكم، إن لدينا فائضاً من كل شيء إذا سلمنا جدلاً بالمعنى العام للفائض، وليست الميزانية فقط..؟
مشاركة :