من منظور كلاسيكي - مها محمد الشريف

  • 7/1/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

سنحاول تحليل هذا النوع من التوريث، والافتراض السائد الذي لازم الفرد على مدى العصور، ولم يتغير كثير من خصائصه، وارتبطت نماذجه المتزنة بالناس ارتباطا كلياً، وتمكنت منهم تمكن العبادة. ففي رمضان يتجلى الاختلاف عن بقية أشهر العام، وتظهر مميزاته في تطابق متقن مع العادات والتقاليد والقيم بين أفراد المجتمع، ونسيجه المتناسب مع جميع ظروف الأزمنة. وهكذا، تخضع المجتمعات لتلك المعارف المبهمة التي توارثتها عبر الأجيال بتجرد دون قبول أي إضافات تحقق نقلة نوعية في الإرث، لأن الإرث في مجمله يتحتم قبوله بما فيه، كما أنه لا يخضع لأي تجديد في العرف العام، كالوصايا تماما. قد تكون بعض السلبيات بين أروقة العادات، دون النظر لها وتغاضي الإعلام عن عرضها ومعالجتها، لما لها من أثر كبير على الواقع والبيئة الاجتماعية، فأصبح المضاف لها نكرة لا يقبله الفرد، ويتجاهله لعدم رغبة مناقشته، أو مراعاة الفروق بينه وبين المفروض، لأن المعارف الصحيحة تظل قيد الزمن مستحدثة تقتضي وقتا طويلا لقبولها والقناعة بها. إن ثقافات العالم زاخرة بالتجارب والعادات والقيم، وها هي ثقافتنا تتجلى، بما فيها من إيجابية وروحانية وأجواء إيمانية تلامس الأرواح والمشاعر والإحسان، وتقديم الإخلاص في العبادة، والتسابق على المساجد وبذل الصدقات والمعروف بين الناس، غير أن لدينا بالمقابل سلبية ضخمة، وورقة تكتظ بالأخطاء المتنوعة، وعلى وجه التحديد الأخطاء الغذائية التي ظهرت نتائجها على الحالات الصحية، وارتفاع معدل السكري والضغط والسمنة والسرطان قياسا بالنسبة العالمية لهذه الأمراض، والإغداق على أنفسنا بغير حساب، إن الروابط الجوهرية عند الإنسان العربي أقوى من متغيرات العصر وتقلبات الظروف، قد يُبلي بلاء حسناً في مواقع نظرية مختلفة، ويملك أدوات العلاقات المتطورة التي تمكنه من الحضور على مشارف الحياة العصرية، إلا أنه يظل سجين الماضي ورهن القناعات القديمة، فالإنسان الشرقي لن يتغير أبدا وإن تغير واقع البيئة والمكان، تنقصه تشكيله كبيرة من الإمكانات التي تساعده على الانخراط في حياة أخرى، فهو مطالب بالجمع بين الحداثة والحفاظ على الهوية رغم التعدد الثقافي والمذهبي. ومن ثم تعود النزعة السلبية التي غطت مساحات واسعة من حياة الناس في العالم الثالث، ويتراجع الوعي بكل معطياته نحو الأشياء، وتتفاقم قدرة البشر على الصراع، حيث تتخلى العقلانية عن تحقيق السلام بين الطوائف، والاعتراف بالتقصير نحو الآخر، وتدمير مواقع الحجج عوضاً عن ترتيبها من أجل المزاعم غير القانونية وبالأصح الدينية، فلم يكن الصراع يوما مدرجا في غاية الحياة. ولا يمكن أن تبدأ مرحلة تجمع بين الشمولية والخصوصية، وهي تلغي العقل، من أجل تبادل غير منطقي بين السلام والصراع، وبين العبادة والعادة، وترك أركان وشروط وصفات وفروض وواجبات منحها الله تعالى للمسلم، ليحافظ عليها كعلاقة مقدسة وشفافة وقاعدة شرعية موثقة تدعم من خلالها جوهر الإنسان نحو الخير، وتحث مواقع المصالح لإشباع الذات بالقيم الإسلامية التي تعتبر سمة الحضارة. ويأخذنا القول هنا عن جزء مشوق وجميل عندما نتحدث عن رمضان والأجواء الساحرة التي تجذب روح المسلم بعيدا عن أي سلطة دولية أو قانونية تجبره على تلك الشرعية، فالمجتمع والشخصية البشرية في هذا الشهر مجبولة على التفاهم والتواصل وخلق معايير أخلاقية تهدف إلى أعمال خيّرة، تسمو بالأرواح إلى الطهر والنقاء.

مشاركة :