الكبار منصات اجتماعية لانحراف الصغار بقلم: شيماء رحومة

  • 5/2/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اليوم اتخذ الشباب من منصات مواقع التواصل الاجتماعي سوقا افتراضية، لعقد خلوات شرعية للتعارف قصد الزواج أو النزوات العابرة، لكنها بدل أن تقلص نسب العنوسة المرتفعة بجل المجتمعات العربية زادت من العزوف عن الزواج.العرب شيماء رحومة [نُشر في 2017/05/02، العدد: 10620، ص(21)] حب من أول نظرة وربما من النظرة الثانية وقد يكون من نظرة الوداع الأخيرة، هذه العبارات ليست مقتطعة من نص قصة رومانسية حزينة ولا مقتطفة من لقطة بفيلم ضائع بين كراسي دور العرض، ولا مختلسة من كراس مذكرات مراهقة حالمة، هذه صورة من واقع شباب ناضج يزداد يوما بعد آخر عزوفا عن الزواج وتحمل المسؤولية والاكتفاء بتجديد العلاقات الغرامية. في السابق كانت مسائل الزواج تعالج كما تعالج المعاملات التجارية بين الرجال في السوق الأسبوعية لتجد على إثرها الفتاة نفسها سيقت إلى منزل آخر بلقب زوجة دون تغير يذكر في النشاط المنزلي اليومي، بل حتى أنه قيل إن المرأة لا تخرج كامل حياتها إلا لثلاث محطات: من بطن أمها ثم إلى منزل زوجها فمحملة على الأكتاف إلى رمسها الأخير، بينما يجتهد الزوج لتوفير كافة احتياجات عائلته. وتصنع العشرة بينهما قصص حب خجولة لا نوافذ لها أمام عيون صغيرة متطفلة وإن كانت كامل العائلة على سرير أسري واحد. اليوم اتخذ الشباب من منصات مواقع التواصل الاجتماعي سوقا افتراضية، لعقد خلوات شرعية للتعارف قصد الزواج أو النزوات العابرة، لكنها بدل أن تقلص نسب العنوسة المرتفعة بجل المجتمعات العربية زادت من العزوف عن الزواج. هذا لا يعني طبعا فشلا تاما في الزواج بهذه الطرق الحديثة فالخاطب الآلي جمع بين الكثير من القلوب، ولكن سهل أيضا تعدد العلاقات بدل تعدد الزوجات، منهج مختلف لتقنين الخيانة وفق نواميس الطفرة التقنية عبر الهواتف الذكية. ولست أدري أمن المؤسف أم المضحك أن هذه الآفات الاجتماعية انتقلت عدواها إلى الأطفال بل والحيوانات أيضا، إذ تناقل بعض النشطاء على موقعي فيسبوك وانستغرام فيديو لفتاة صغيرة تنهي علاقتها بحبيبها لأنه خانها وفيديو آخر يصور تأديب أسد لزوجته بدعوة أنها خانته أمام زوار الحديقة حتى أنه حاول قتلها! ولم تتجاوز نجمة الفيديو الذي تداوله النشطاء على موقع إنستغرام الأسبوع الماضي، السنتين، حيث ضبطتها أمها بكاميرا هاتفها وهي تحدث نفسها بصوت عال “لقد رأيت سوير في الحديقة مع فتاة أخرى، لقد كنت غاضبة للغاية، سأتصل به الآن”، ثم رفعت هاتفها البلاستيكي اللعبة، وعنفَت حبيبها الوهمي “هذا سخيف.. سوير، لقد رأيتك، لا تذهب معها إلى الحديقة، لقد رأيتك، أنا حزينة للغاية”. حزينة وماذا تعرف عن الاكتئاب العاطفي سوى غياب مصاصة الحليب أو اختفاء إحدى ألعابها بين أدباش غرفتها المبعثرة. هل حان الوقت لنتبادل الأدوار مع جيل يستعجل كل شيء حتى الزواج والحب والخيانة؟ أم حان الوقت لنتعلم منه الابتعاد عن الخمول وأن نحسن تحمل المسؤولية؟ أم صار علينا مراجعة أخطائنا بدل أن نعلقها على مشاجب الآخرين لأنها باتت تحاصرنا من خلال أبنائنا؟، إذ ما كان لفتاة السنتين أن تحمل هاتفها الخلوي اللعبة وتتصور بذهنها الفتي مكالمة تنأى بها الآلاف من السنوات الضوئية عن واقع الطفولة. وما كان لفتى الخامسة من العمر أن يغتصب زميلته بالروضة. هذه التصرفات وغيرها كثير نتاج طبيعي لعدم انضباط الكبار خلف ستار الحشمة والانسياق باسم الانفتاح وراء شهواتهم ورغباتهم أمام كاميرا فاقت 360 درجة ومزودة بقدرات تخزين عجيبة، تجعل الطفل يقلد مثله الأعلى تقليدا أعمى لا يحتمل التحريف، لتصبح حياة الكبار منصات اجتماعية جديدة يعتليها الصغار وينشؤون عليها العديد من الصفحات التي تقتصر منشوراتها على عقلية عاجزة عن التواصل بالشكل اللائق. كاتبة من تونسشيماء رحومة

مشاركة :