النسخة: الورقية - دولي يحظى الإنسان العربي بكل ما يحتاجه من أدلة وبراهين على أن ما يسمى «انتخابات»، برلمانية أو رئاسية، تجرى في أي بلد عربي في الفترة الحالية، لا تمت بصلة الى الديموقراطية بما هي احتكام للشعب. نموذج ذلك لا تخطئه العين في كل من مصر وسورية والعراق ولبنان وموريتانيا (بعد الجزائر طبعاً)، وقريباً في تونس وليبيا، ليس من حيث الشفافية والنزاهة فقط، وإنما قبلهما في الأسس التي تقوم عليها هذه الانتخابات، وتالياً في النتائج التي أسفرت عنها، في الجزائر حتى الآن، ويمكن أن تسفر عنها في البلدان الأخرى. ففي مصر، مثلاً، كانت ذروة الإجراءات التي سبقت الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية الشهر الحالي بالغة الدلالة على ماسبق: أولاً، تحصين الهيئة المشرفة على الانتخابات ورفض الطعن، بأية طريقة من الطرق، في القرارات التي تتخذها. ثانياً، منع قيادات وأعضاء حزبين هما «الحزب الوطني» المسمى من فلول نظام حسني مبارك و»جماعة الإخوان المسلمين» المتهمة بالإرهاب، من الترشح وحتى من ممارسة حق الاقتراع. ثالثاً، طغيان حملة أحد المرشحين فيها، المشير عبد الفتاح السيسي، في الشارع كما في الإعلامين الرسمي والخاص على حملة المرشح الآخر حمدين صباحي الى درجة بات يشكو منها حتى مؤيدو السيسي ذاتهم. وغني عن القول إن الحكم الذي أسقط نظام «الإخوان» في ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، فضلاً عن الجيش الذي ساهم فيها (بعضهم يقول انه قادها)، لم يكن في حاجة الى هذه القيود لضمان فوز مرشحه، أو عدم عودة النظامين السابقين كما يردد على الدوام، لكنها طبيعة نظرة الحكم، وحتى بعـض النخب المصرية أيضاً، الى مسألة الانتخابات واعتبارها نوعاً من «الاستفتاء» الذي يقرب من أن يكون استطلاع رأي يجريه مركز أبحاث في دولة من دول العالم... عن مصر، أو عن غيرها. فالمهم، كما كانت عادة الأنظمة العربية طيلة ستين عاماً، هو الحصول على نسبة الـ 90 في المئة، وحتى الـ 99،99 في المئة، في مثل هذا الصنف من الاستفتاءات. في سورية، تبدو المهزلة أكثر جلاء وحتى مدعاة للضحك. ذلك أنه من أصل 24 شخصاً قدموا ترشيحاتهم (أحدهم قال ان ضابطاً رفيعاً في رئاسة الأركان طلب منه الترشح) رست البورصة في النهاية على ثلاثة فقط وضع أحدهم (حسان النوري) برنامجه للانتخابات الرئاسية، كما أعلن في مقابلة تلفزيونية، على أساس «التأييد المطلق» لما فعله أحد المرشحين الآخرين (بشار الأسد في هذه الحال) في حربه التدميرية المستمرة على سورية وضد شعبها منذ أكثر من ثلاث سنوات. وليس خافياً على أحد أن نصف الشعب السوري على الأقل، المهجر في الداخل أو النازح الى الخارج، لن يتمكن لأسباب لوجستية بحتة من المشاركة في الانتخابات، لا تصويتاً ولا ترشحاً بالطبع، فضلاً عن أن قانون الانتخابات الذي فصّله النظام على قياسه منع كل من عاش خارج سورية خلال الأعوام العشرة الماضية من الترشح، كما منع كل من خرج منها «بطريقة غير شرعية»، أي هرباً من القصف والقتل، من حق الاقتراع.هل هذا فقط؟!. لا قطعاً، فهي أول انتخابات ديموقراطية تعددية شفافة، يقول رئيس هذا النظام الذي ورثه عن والده، تشهدها سورية منذ خمسين عاماً هي في معظمها فترة حكم الأب. كما أنها تتم تحت شعار «سوا» الذي طبع به بشار الأسد حملته الانتخابية، كأنه يعترف بأن نظام الأعوام الـ 50 الماضية لم يكن كذلك. هذا فضلاً عن واقع سورية الذي تجاوز فيه مدى التدمير والقتل والتهجير، بيد النظام وصواريخه وبراميله المتفجرة، كل ما يتصوره عقل. وهي، مع ذلك كله، تتم في مواجهة الشعب السوري ودول العالم التي تبنت ما أرساه «جنيف1» و»جنيف2» حول «هيئة الحكم الانتقالي ذات الصلاحيات الكاملة» حلاً للأزمة السورية... والتي تفترض أول ما تفترض انتخابات نيابية ورئاسية على أساس دستور جديد لا تكون للأسد فيه الكلمة الفصل على أقل تقدير. لكنها الانتخابات كما يريدها الأسد، ويريد منها أن تجدد بيعته رئيساً لسبع سنوات أخرى كما حدث مرتين قبل الآن. وهي «ديموقراطية وتعددية وشفافة» على رغم كل ما يقوله الشعب السوري والمجتمع الدولي بشأنها!. في العراق، الذي أجرى انتخاباته البرلمانية قبل أيام، لا تختلف الصورة عما هي في مصر وسورية كثيراً. ذلك أنه لا يهم بالنسبة إلى رئيس الحكومة نوري المالكي ما إذا امتنع، أو منع، سكان المحافظات في الغرب العراقي من المشاركة، أو ما إذا كان مئات العراقيين قد سقطوا ضحايا العنف والسيارات المفخخة في أثنائها، أو قبل وبعد حصولها، أو ما اذا كان فساد الحكم والطبقة الحاكمة هو الكلمة الوحيدة التي يتبادلها العراقيون في ما بينهم... أو أخطر من ذلك كله، ما اذا كان التهديد بانفصال الإقليم الكردي عن الدولة الأم وإعلان العصيان في مناطق أخرى قد بات على وشك التحول الى أمر واقع خلال الفترة المقبلة. المهم عودة المالكي الى رئاسة الحكومة للمرة الثالثة، وبـ «انتخابات ديموقراطية» كما يقول، على رغم رفض مناطق سنية واسعة سياساته وخضوعه بالكامل لسيطرة «الولي الفـــقيه» في ايران، ومعارضة قيادات سياسية ودينية شيعية (عبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر)، ومطالبة قادة الإقليم الكردي بإنهاء ما يصفونه بـ «الحكم الفردي» الذي مارسه المالكي في حكومتيه السابقتين. هل كانت الانتخابات في الجزائر، وإعادة انتخاب رئيسها عبد العزيز بوتفليقة، وهو على كرسي طبي، للمرة الرابعة، مختلفة عما هي عليه الحال في مصر وسورية والعراق؟. وهل تكون الانتخابات الرئاسية اللبنانية بدورها، وقد أرجئت أربع مرات حتى الآن لعدم اكتمال نصاب أي من جلسات البرلمان المخصصة لذلك، مختلفة هي الأخرى، بعد أن تبين بجلاء أن أحزاباً وتيارات سياسية مرتبطة بالخارج (إيران وسورية تحديداً) ترفض انتخاب رئيس الا اذا كان يتبنى مواقفها، ولا تمانع في أن تزج البلاد في مرحلة من الفراغ في موقع الرئاسة حتى لو أدى ذلك الى انهيارها سياسياً واقتصادياً ومالياً وحتى أمنياً؟. واقع الحال أن ما يشهده العالم العربي، في هذه الفترة، هو شكل من أشكال التصويت بأوراق في انتخابات يشارك فيها بعض الناس... لكن لا ديموقراطية، ولا احتكام للشعب، ولا من يحزنون. * صحافي وكاتب لبناني
مشاركة :