أي فائدة تقدّمها حماس من إغتيال الخيار البديل والالتحاق المتأخر بما اعتبرته سابقا "خيانة" يستحق طرد السلطة برمتها من قطاع غزة. لا شك أن حماس تدرك ما لا ندركه وتعرف ما لا نعرفه، ولا شك أن لهذا التحوّل أسباب تتعلق بالدور الذي تنتظره الحركة في مستقبل المنطقة عامة ومستقبل فلسطين خاصة. ولا شك أن لإعلان الوثيقة من الدوحة وليس من غزة مثلا مرامي ما فوق فلسطينية، وأن خضوع الوثيقة لتدقيق من قبل مراجع قانونية، وفق ما أعلن مشعا، يروم اتساقها مع معايير دولية مطلوبة ليتم التصديق على أوراق اعتمادها من قبل المراجع الدولية الكبرى. وبالامكان تخيل أن كثيراً من الفتحاويين القدماء يتأملون الحدث ويتذكرون به ما عوّلوه على التحوّلات التي أدخلوها على مواثيقهم طمعا بتفهم دولي حنون ينهي مأساة الاحتلال ويجد سبيلا لإقامة دولة فلسطينية مستلقة تطوي صراعاً يقض مضجع كل المنطقة منذ أكثر من ستة عقود. خاب أمل فتح وسيخيب أمل حماس، ذلك أن أمر فلسطين يقرره المحتل ولا تقرره النصوص في ثوابتها ومتغيراتها، وأن إسرائيل، وإن كانت مغتبطة بما أثمره بطشها من "تعقلن" فلسطيني، إلا أنها غير معنية بشكل ومساحة وحدود الدولة التي يقبل بها الفلسطينيون، وغير آبهة بأي اعتراف فلسطيني، معلن ومضمر بها، لا يتضمن وفق نسخة نتنياهو وصحبه اعترافا واضحا بيهودية دولة إسرائيل. حسنا فعلت حماس. خرجت من جماد عقيدتها السياسية وأقرت أن السياسة فن الممكن. تحتاج حماس إلى وثيقتها للانتقال نحو خطوات عملية تنفيذية كبيرة. سيكون على الحركة أن تطبّع علاقاتها كاملة مع القاهرة، فحماس لا تملك في هذا الكون إلا سطوتها على قطاع غزة، ولا تستقيم سلطتها في هذا القطاع إلا على قاعدتين. الأولى اتساق وانسجام واتفاق شامل كامل مع مصر يفتح الحدود مع غزة. الثانية الاندفاع بعيدا في المصالحة الداخلية الفلسطينية على نحو يعيد الوحدة للإراضي الفلسطينية التي تقبل وثيقة حماس الأخيرة بأقامة دولة فلسطينية على مساحتها. فأهل غزة قبل الضفة سيسألون حماس عما تفرقه وثائقها عن وثائق فتح حتى يبقى الانقسام شرعيا ومقبولا. سيكون على حماس أن تعدّل ما عدلته من خلال وثيقتها. فإذا كان النص يخاطب العالم وهذا هدفه، فإن العالم لن يقبل لبسا في تعابير تتعلق بالاعتراف بإسرائيل وبالحدود النهائية القصوى للدولة الفلسطينية وبالموقف من العنف والارهاب والكفاح والمسلح وبالموقف من التفاهمات الدولية التي أنتجتها اتفاقات أوسلو. ستفعل حماس كل ذلك بعد انتهائها من تسويق ما وثيقتها الجديدة داخل قواعدها وترويج ذلك داخل دوائر الإسلاميين في العالم العربي، وستقدم للعالم الوجبة الكاملة التي قدمتها فتح ومنظمة التحرير قبل ذلك، لكنها ستكتشف متأخرة ما اكتشفه سابقوها من أن النصوص تعجز عن فك طلاسم التاريخ، فلذلك مفاتيح أخرى. محمد قواص صحافي وكاتب سياسي
مشاركة :