كتابة السوالف بقلم: أحمد برقاوي

  • 5/9/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الفن الروائي والقصصي ليس توثيقا لأحداث رأيناها بأم العين وأضفنا إليها أسلوبا، إذا ظل الأمر كذلك فإن الروائي الريفي يظل في حقل السوالف، ويبقى عقله عقلاً سوالفياً.العرب أحمد برقاوي [نُشر في 2017/05/09، العدد: 10627، ص(14)] تشير كلمة السوالف عند فلاحي بلاد الشام وبدوهم وعند أهل جزيرة العرب إلى أحداث ووقائع ومشكلات تُسرد عادة فيما يُسمى بالمضافة. إن شئت قل هي قصص معيشة مختصرة تفضي إلى نمط من الحوار بين الحاضرين. ومفردها سولافة أو سالفة، والفعل سولف ويسولف وسوْلف. وعلى الرغم ما لهذه الكلمة من انتشار بهذا المعنى غير أن القاموس العربي يشرح كلمة سلافة بمعانٍ متعددة باستثناء المعنى المتداول الآنف الذكر. وربما اشتقت الكلمة من السلف والروايات المنقولة عنهم أو رواية قصصهم. أما المضافة، فهي بيت الضيافة عند أهل القرى والبدو، وهي مجلس يلتقي فيه عدد من الناس كتقليد مسائي أساسا، ومكان لاستقبال الضيوف. وغالبا ما تكون المضافة مرتبطة بالمكانة: مختار أو وجيه أو زعيم عشيرة أو ثري، وفي كل الأحوال هي مكان السوالف وحل المشكلات والسمر. والحق أن السولافة هي نمط من الكلام الشفاهي حول الحياة المعيشة في القرية وما شابهها وبكل أشكالها، كلام يخضع لنمط متعارف عليه من السرد والإصغاء. بل وتغدو سوالف المضافة قصصا يتداولها الأفراد ويتوارثها الناس زمناً طويلاً. وهي في الغالب سوالف فيها من الندرة والأساطير ما يغري بالسماع، كما يجري فيها توثيق ما جرى عبر العنعنة والحديث عن شخصيات قوية أو هزلية وعن مصادفات سعيدة أو حزينة. ولا ينسى راوي السولافة أو السالفة أن يضيف إليها من أسباب التشويق ما يشد الانتباه. توفر هذه السوالف وأحداث القرية لكتاب القصة الريفيين -عادة- مادة غنية وثرية وأساسية لكتابة قصصهم القصيرة أو الطويلة ولرواياتهم. وهذا أمر طبيعي، فالروائي والقاص إنما يستمد من الواقع الأحداث والشخصيات ويعيد عجنها بماء خياله وأفكاره. ويغنيها بوقائع وحوارات ويضفي عليها من الغرائب ما يدهش ويمنحها أسلوبه السردي الذي يمنحه شخصيته الإبداعية المميزة. لكن المشكلة حين تكون القصة أو الرواية على شاكلة السوالف التي تُقال شفهياً والمعبرة عن أحداث بسيطة معروفة وحجم الخيال الروائي فيها لا يعدو الرغبة في التشويق. الفن الروائي والقصصي ليس توثيقا لأحداث رأيناها بأم العين وأضفنا إليها أسلوبا، إذا ظل الأمر كذلك فإن الروائي الريفي يظل في حقل السوالف، ويبقى عقله عقلاً سوالفياً. لأن سرد سيرة معيشة في عالم القرية البسيط: عالم المختار وعلاقات القرابة والوعي الساذج حول العالم والعشق الحرام والفقر والسفر إلى المدينة والمثقف الذي وجد نفسه في عالم المدينة مغترباً ودخول التحديث إلى القرية إلخ… لكن كل هذه التفاصيل لا تشكل عوالم غنية بحد ذاتها وبمفردها للعمل الروائي. كما لا يمكن لعقل خاضع لمنطق السوالف أن يحول عوالم المدينة والعيش فيها إلى رواية. قد تستهوي هذه السوالف الوعي الغربي بما فيها من وقائع غرائبية بالقياس إلى عالمه ويندهش بها كاندهاش أي مستشرق بالشرق لكن هذه الحال ليست معياراً للحكم على المكتوب العربي عموما. كاتب فلسطيني مقيم في الإمارات أحمد برقاوي

مشاركة :