الكاتب والنص والحرية بقلم: أحمد برقاوي

  • 2/21/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أجل الكاتب حر في أن يكون كما يشاء، وأن يطل على الناس بالنص الذي يشاء، لكنه لا يستطيع أن يحمل الناس على قبول ما شاء ويسلبهم الحق في أن يروه كما يشاؤون. العربأحمد برقاوي [نُشرفي2017/02/21، العدد: 10550، ص(14)] يتخذ الاختلاف في الموقف من التحولات الكبرى في التاريخ المعيش طابعا كليا وصراعيا يصل حد النفي المتبادل بين المختلفين. وأمر كهذا مألوف عند كل شعوب الأرض. ولو تركنا جانبا المناكفات التي تتعين بصورة هجاء لدى بعض الكتاب يصل حد الانحدار إلى القول الشتائمي العامي المبتذل، فإن سؤال الاختلاف والتعبير عن الاختلاف سؤال مرتبط بقضية حرية الكاتب. هل الكاتب حر في اتخاذ الموقف الذي يشاء من معركة الحرية حين تصبح المعركة مصيرية؟ الجواب الذي لا جدال فيه: أجل هو حر، ولأنه حر فهو إذا مسؤول عن الموقف الذي اختاره. نحن لا نعرف الأسباب العميقة كلها التي حملت الكاتب على اختيار موقفه ، وقد نخمنها خمنا ولهذا فالكتابة – النص هي المرجع الأساس المعبر عن حرية الكاتب في موقفه. إننا نفترض مسبقا انتماء الكاتب إلى قضية الحرية، إلى هموم الناس وكرامتهم و تحررهم. هذه الفرضية تتحول إلى مبدأ يصعب معه تخيل موقف كاتب إلى جانب دكتاتور طاغية أو قاتل، ولكننا نكتشف بأننا نتعامل مع ما يجب أن يكون وليس مع ما هو كائن. والدليل وجود جمهور من الكتاب مع الدكتاتور القاتل وهم أحرار في ما يذهبون. إذا هم أحرار في أن يكونوا ضد قضية الحرية، ولأن قضية الحرية عموما وبالنسبة إلى المثقف، الكاتب على وجه الخصوص، هي قضية أخلاقية، فإن المثقف الكاتب اختار بكل حرية ألا يكون أخلاقيا. وبالمقابل، فإن الكاتب المدافع عن قضية الحرية والذي اختار الانتماء إلى حركة البشر قرر بكل حرية أن يكون كذلك، واختار بكل حرية أن يكون أخلاقيا. غير أن الموقف الأخلاقي والموقف اللاأخلاقي لا ينفصلان عن الموقف المعرفي. الموقف المعرفي هو الكشف عن الوقائع وحقيقتها، وإلا وقعنا في حالة من النسبية الأخلاقية التي تسمح للاخلاقي أن يصدر حكما ينال من خصمه باسم الأخلاق. إذا النص المعبر عن حرية الكاتب هو الكاتب، إنه الوثيقة الدامغة والأرشيف الذي لن يصيبه البِلى .الأرشيف الذي يتحول إلى السيرة الذاتية للكاتب. سيرته المعرفية وسيرته الأخلاقية. غير أن المعركة بين الموقفين أقسى مما نظن. ولن تكتفي بالنصوص المعرفية والأخلاقية المتعلقة بالقضية، بل تريد أن تنقل المعركة إلى عالم الأفراد الشخصية. فيصبح الكاتب فردا خاضعا لكل أحكام القيمة. والتجربة تدلل بأن الموقف الضعيف معرفيا وأخلاقيا هو صاحب المصلحة في حرف القضية عن منطقها، لأن النص المرتبط بالحرية أقوى سطوعا من أن يكون قابلا للنقد السلبي فيهرب عدو الحرية إلى النيل من الفرد. فيصبح مثقف الحرية وكاتبها لدى مثقف الإستبداد والدكتاتور متهما وأسير مصالحه الفردية وليس حرا في موقفه لأنه تابع وعميل إلخ، وذلك كي يخفي الفرق بين نص شاعر يمجد الحياة والحرية، ويكثف تراجيديا البشر الذين يكافحون من أجل الحياة والحرية، ونص شاعر يمجد القاتل والمحتل والوسخ التاريخ، ليخفي الفرق بين نص كاتب يهز الوجدان، وهو يخلد مأساة الطفولة وكاتب يمجد قاتل الطفولة. أجل الكاتب حر في أن يكون كما يشاء، وأن يطل على الناس بالنص الذي يشاء، لكنه لا يستطيع أن يحمل الناس على قبول ما شاء ويسلبهم الحق في أن يروه كما يشاؤون. كاتب من فلسطين مقيم في الإمارات أحمد برقاوي

مشاركة :