في الطبيعة ثلاثة أسباب للنزاع ذكرها هوبز: تتمثل اولاً في التنافس, وثانيا في الحذر, وثالثا في الفخر, السبب الأول يدفع الناس لمهاجمة بعضهم بعضا بهدف الفوز, ويدفعهم الثاني إلى النزاع بهدف الأمن, ويدفعهم السبب الثالث إلى ذلك بهدف الشهرة, رغم أن المشكلات في العالم كثيرة ومختلفة معاييرها, ومتجددة, ومتنوعة إلا أنها تتساوى في النظم الاخلاقية. ثم إن بناء نظرية علمية نموذجية حول التجربة الإنسانية تتطلب جهدا ونقطة انطلاق أساسية تمنح معنى للعالم والمجتمع والعلم والفرد فضائل مكتسبة. لهذا ينبغي بناء نماذج للتضامن الاجتماعي, وتعيين أوجهه، والعمل على تماسك مثالي, ودمج تاريخ وجغرافية وطبقات المجتمع في نموذج أمثل, تحظى قوانينه وتناقضاته وتعارضه باهتمام بالغ وحصرها في قائمة الأولويات والمهمات الصعبة, وإيجاد مقاربة علمية أخلاقية تفك رموز وطلاسم الاختلاف وهيمنة الفردية. لقد تعدد إنتاج الإنسان على مر العصور وتنوع تنوعا مضطردا. لقد تحول الإنسان إلى حالات إدانة شديدة من جراء الأسباب التي أدت إلى الحروب والفساد والانقسامات والعنصرية, وتبنى الزهد لتظهر بالكاد شجاعته وفائدته الطبيعية . فلم يترك "فريدريك نيتشه" أي نتائج لم يتطرق لها في التجربة الإنسانية فقال : تكمن أسباب الخطأ في حسن نية الإنسان كما في سوء نيته, وفي حالات لا تحصى, يُخفي الإنسان الحقيقة عن نفسه ويلطخها حتى لا يعاني لا في حسن نيته ولا في سوئها. ثم عبر عن المثل الأعلى الارستقراطي , بالنبل وسمو النفس النابع من الوقرة الذين لا يعطون كي يأخذوا, وإن ما يفعله مجتمعنا اليوم هو تمثيل البساطة وهو غائب في حضرة الإنسان المتعدد و المهموم. أما معاناة نيتشة الشخصية فقد كانت في ترك دراسته وتنازله عن شهادة الدكتوراه التي حصل عليه في الخامسة والعشرين من عمرة بسبب اضطراب نفساني، ترك منصبه كأستاذ, وانصرف بصورة كلية الى الاعمال الادبية, ثم قال عنه المفكر الإسلامي محمد إقبال : لقد أغمد خنجره في صدر الغرب المسيحي وبنى افكاره على أسس الإسلام فقلبه مؤمن وإن كان عقله منكرا, قائلاً : ليتني أحيا بين المسلمين ردحا من الزمان ، لاسيما حينما يكون دينهم غضا، فلعلني بذلك أشحذ ذائقتي، وأرهف بصيرتي لكل ما هو أوروبي. ... هذه المقولة للفيلسوف / الظاهرة "فريدريك نيتشة" أوردها في سياقات الاستشهاد العالم البريطاني المعاصر المتخصص في فلسفة الأديان "روي جاكسون" وذلك في كتابه الجديد الذي صدر 2007 م ببريطانيا تحت عنوان "الإسلام من منظور نيتشة " والذي يحاول فيه جاكسون عقد مصالحة حضارية بين الغرب العلماني والشرق الإسلامي المتأرجح بين العلمانية والأصولية, انطلاقا من أن "إصلاح الإسلام من الداخل من شأنه أن يؤدي إلى تفاعل مثمر بين منظومة القيم الإسلامية ومنظومة القيم الغربية بما يجنب العالم الويلات التي قد تنجم عن التصادم الحضاري بين الإسلام و الغرب ..وفي هذه المحاولة يستعين الكاتب بفلسفة نيتشة وآرائه في الدين ومكتسباته الثقافية كأداة منهجية يؤسس من خلالها تصوره عن الوضع الحالي للإسلام ويستشرف مستقبله انطلاقا من أن الإسلام يمر بنفس الظرف التاريخي الذي مرت به المسيحية في الوقت الذي وجه فيه نيتشة نقده للمجتمعات الأوربية, في أواخر القرن التاسع عشر باعتبارها مجتمعات "مات فيها الإيمان وبالتالي مات فيها أمل الخلاص لتحل محله الكراهية والعداء ، وكأنما كان نيتشه يتكهن بكل الحروب التي وقعت بعده في القرن العشرين و القرن الواحد العشرين.
مشاركة :