د. ناصر زيدانبينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتناول العشاء مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، في «منتجع مارالاغو» في ولاية فلوريدا في 7 إبريل/نيسان 2017، انطلقت صواريخ «كروز» من مدمرات أمريكية مرابطة في البحر الأبيض المتوسط باتجاه مطار الشعيرات السوري، قرب حمص، لأنهم قالوا إن الطائرة التي قصفت مدينة خان شيخون في ريف ادلب، انطلقت من تلك القاعدة. انسحب الرئيس الصيني من المنُتجع بعد 6 دقائق من تبلُغه وقوع الهجوم من قبل ترامب ذاته.الرئيس الأمريكي أبلغ نظيره الصيني أيضاً، أن سياسة «الصبر الاستراتيجي» التي عملت بها الإدارة الأمريكية السابقة حيال التجاوزات التي تحصل من قبل بعض الدول انتهت. وتابع كلامه بحضور كبار مساعديه: إن حاملة الطائرات «كارل فنسون»، وعدداً كبير من المدمرات وصل إلى المياه الإقليمية الكورية الجنوبية، استعداداً لإجراء مناورات في بحر اليابان، وبالقرب من الأراضي الكورية الشمالية، طالباً من الصين لعب دور في ضبط اندفاعة بيونغ يانغ، ومنها التجارب النووية المتكررة، وإطلاق اختبارات على صواريخ عابرة للقارات في بحر اليابان.منذ أن أعلنت كوريا الشمالية عن إجراء تجربة ناجحة على تفجير نووي هائل في 6/1/2016 تحت البحر، تعيش الولايات المتحدة الأمريكية واليابان حالة من القلق، جراء تنامي القدرات الكورية الشمالية، ذلك أن الأرصاد الامريكية قدّرت قوة الانفجار بزلزال بقوة 5,1 على مقياس ريختر، ليتبين لاحقاً؛ أن الانفجار الكبير ناتج عن تفجير قنبلة هيدروجينية، لها قوة تدميرية هائلة، يمكن أن تتجاوز 20 مرة قوة القنبلة النووية الأمريكية التي ألقيت على مدينة هيروشيما اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية عام 1945. وقد أعلنت بيونغ يانغ بالفعل أنها تمتلك مثل هذه القنبلة، كما لديها ما يمكنها من إطلاق صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية من غواصات مرابطة في البحر. وفي مُنتصف إبريل/نيسان 2017؛ وصل التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ إلى ذروته، خلال المناورات التي أجرتها البحرية الأمريكية مع الجيش الكوري الجنوبي. وتمَّ تسريب معلومات عن نية البحرية الأمريكية توجيه ضربات محدودة، تستهدف اغتيال الزعيم الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ وان، الذي تصفه أمريكا «بغريب الأطوار». وقد رد وان على التهديدات الأمريكية؛ بإعلانه توجيه ضربات بلا رحمة ضد أمريكا إذا ما اعتدت على بلاده.لا يمكن التقليل من شأن الخطر الكوري الشمالي على الولايات المتحدة، وعلى دول أخرى في العالم. فالدولة «المعزولة» التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة - تصل إلى حد المجاعة في بعض المناطق - لديها قدرات عسكرية هائلة، والبنية التنظيمية لجيشها، ولنظامها؛ لا يمكن اختراقه بسهولة، كما أن التأثير الدولي فيها؛ يكاد يكون معدوماً، بما في ذلك تأثير الصين وروسيا، حلفائها التقليديين، وهؤلاء بدأوا بالخوف من عاقبة الجنوح الذي يسير عليه زعيم كوريا الشمالية، على عكس ما كان عليه الحال أيام الزعيم المؤسس كيم ايل سونغ، وابنه الذي مات العام 2012 كيم جونغ ايل، والد الزعيم الحالي. روسيا والصين مستفيدتان من الإزعاج الذي تسببه بيونغ يانغ لواشنطن، وحلفائها، لأن تنامي النفوذ الأمريكي في شرق، وجنوب شرق آسيا؛ أربك البلدين، وكان على حساب نفوذهما. والصين على وجه التحديد، تخشى من النفوذ الأمريكي في المنطقة، لأنه يحمل بذور التحريض على دورها، ويمنعها من فرض السيادة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، ويلعب دوراً سلبياً في مواجهة النمو الاقتصادي الواعد لبكين. حيث التنافس على أشده بين هذه الأخيرة، وواشنطن في مجالات متعددة، لاسيما في الصناعات الثقيلة، حيث أجرت الصين تجربة ناجحة بداية مايو/أيار 2017 على طائرة نقل عملاقة من صناعتها بالكامل. لكن الصين وروسيا تخشيان من تنامي القدرات النووية الكورية الشمالية في الوقت ذاته.الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في المجال الاقتصادي؛ يُشبه قياس الفيل إلى حجم النملة، فالأولى تملك أكبر اقتصاد في العالم ويتجاوز ناتجها الإجمالي 15 ألف مليار دولار، بينما لا يتجاوز الناتج الإجمالي الكوري الشمالي وفق الأرقام المتوافرة للاقتصاد المغلق ال 18 مليار دولار أمريكي. ويعاني اكثر من 6 ملايين من المواطنين الكوريين الشماليين المجاعة، وعدم توافر الغذاء الكافي لهم، بينما يعيش ما يُقارب ال19 مليون الآخرين حياة تقشف. لكن في القياس العسكري؛ لا تسمح النملة الكورية للفيل الأمريكي بالنوم الهانئ، ولا يبدو أن واشنطن تملك حلولاً متوافرة للتحدي الكوري، حيث إن أياً من الخيارات- ومنها العسكرية - محفوفة بالمخاطر الجمّة.إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي باتجاه بحر اليابان صبيحة يوم الأحد في 14-5-2017؛ أعاد التوتر إلى المربع الأول، ولا يبدو أن الوعود الصينية ببذل جهد لتخفيف التوتر، وتهدئة الهياج العسكري في أقصى الشرق؛ قد فعل فعله. أما سياسة «الصبر الاستراتيجي»، فلا هي نفعت في الماضي في كبح جماح التمرد الكوري الشمالي، ولا التخلي عنها يبدو أنه سيحل المعضلة اليوم. اكتشف الرئيس ترامب مؤخراً: إن الإرهاب ليس وحده ما يهدد أمريكا.
مشاركة :