الشارقة: عثمان حسن مرّت التجربة التشكيلية الإماراتية بكثير من المفاصل المهمة، على صعيد التطور الفني، وربما تدين هذه الحركة من حيث المبدأ لتطور المدينة في بلورة شكل فني يتقاطع مع التشكيل العالمي المعاصر ويستفيد منه ويشارك في فعالياته، في الوقت ذاته، فقد تأسست في الإمارات بنية تحتية تحتضن كافة التجارب التشكيلية في العالم.وفي هذا الصدد يرى التشكيلي والناقد علي العبدان، أن المدينة بشكل عام تعتبر مصدراً لتعدد التجارب والمدارس الفنية، وذلك لقربها من البحر وقابليتها السريعة للتحولات الحديثة بكل ما تحمل من معاصرة وتقدم، ويقول: «المدينة مصدر مهم لتعدد الأفكار وقابلية التأثر والتأثير، ولا يمكن النظر إلى المدن الكبرى مثل أبوظبي ودبي والشارقة إلا بوصفها مراكز ثقافية كبرى، كان لها دور في استيعاب التجارب الفنية المتعددة مثل: المفاهيمية والتجريدية وغيرها، فالمدينة تلخيص للوجه المعاصر للدولة في كل المجالات الثقافية والحياتية».بدوره كثيراً ما يتحدث الفنان التشكيلي محمد كاظم عن أثر المدينة في أعماله ويؤكد هذا الأثر بتغير المكان وزاوية الرؤيا، لا سيما من خلال مشاركاته الكثيرة في البيناليات والمعارض الدولية ومنها على سبيل المثال: أحد المعارض الألمانية إلى جانب أسماء كبيرة مثل: جوزيف كودوث ودانيال برنت مؤسسي الفن المفاهيمي، وفي هذا المعرض شارك بأعمال استفادت من تغير الإضاءة وقت السحر، ومشاركته في معرض ثان عام 2003 استفاد فيه من الأثر اللوني الذي يتميز به فصل الخريف، حيث الشمس الأقل سطوعا والغيوم التي تظلل الأفق بدكنة باهتة.في الإطار ذاته، يمكن رصد تجربة الفنان عبدالله السعدي في علاقتها بالمكان، التي استفادت من مناخات التعبيرية والرمزية والرومانسية، ثم تغير أسلوبه في الرسم بعد زياراته للدول العالمية مثل اليابان والبرازيل وغيرهما.أما إذا رصدنا تجربة الراحل المبدع حسن شريف المعروف بتبنيه لمدرسة المعاصرة وذلك التوجه المفاهيمي في الفن، فيمكن الحديث عن تجربة خاصة في المشهد التشكيلي الإماراتي استفادت من رؤى وأفكار فنية عالمية، ما منحه اسماً وحضوراً قوياً في المشهدين التشكيليين العربي والعالمي.كانت المدينة مصدراً لبلورة أشكال جديدة من الفن الذي مزج بين اللوحة المسندية وأفق التجربة العالمية المعاصرة، وهنا بدأت التجارب الجديدة تطلق العنان للمخيلة البصرية، من حيث استخدامات اللون والتصاميم والفيديو آرت والنظم الجديدة، وما تبعها من استخدامات أخرى على مستوى المادة الخام.بدأ التشكيل الإماراتي يرصد سلسلة من الحوارات الداخلية والخارجية في المنجز التشكيلي، وبعبارة أصح، أصبح معنياً وبقوة بإقامة علاقة وطيدة مع الزمن، أصبح الفن منطلقاً لدينامية متجددة، نحو مساحة تشرك المتلقي في اللعبة الفنية، وهي بالضرورة علاقة متحركة ذات محمولات فكرية وثقافية وفلسفية واجتماعية، تتكىء على المنجز، وتخلق علاقة تفاعلية مع الرمز والحكاية والأسطورة ومع الوسيط الفني الجديد الذي يستفيد من الميديا الحديثة ولا يقطع مع الماضي بل يوظفه لدينامية تفاعلية مع الحاضر واستشراف المستقبل.وهنا، لا بد من الإشارة لبينالي الشارقة للفنون، الذي هو في صورة أخرى نتاج تفاعل الفنان سواء الإماراتي أو العالمي بكل ما حدث على صعيد المدينة من تطور، وكان التشكيل الإماراتي على وجه الخصوص متفاعلا مع زخم المدارس الفنية، ووقف على تخوم التجربة العالمية التي هي نتاج تفاعل الفنان مع المدن والعواصم الكبرى في العالم من القاهرة وبيروت ودمشق ونيويورك وطوكيو وفرانكفورت وإسبانيا وغيرها الكثير، هذه المدن التي أسهمت في ابتكار معطيات انعكست على بيئة الفن المحلي، لاسيما في التجارب التي حاولت تقديم رؤية جديدة أو وجهة نظر متفاعلة مع ذائقة الفن من حيث الأساليب والتقنيات المختلفة.أعاد التشكيل الإماراتي ترسيم حدوده مع الفن على قاعدة التأثر والتأثير، وهنا، لا بد من الإشارة لتجربة الجاليريات الكبرى التي احتضنتها دبي، وقدمت خريطة جديدة من الفنون التي رصدت انطباعات الفنان المرئية وتعابيره العاطفية بما في ذلك القيم الروحية التي يختزنها الفن بوصفه مستقبلاً للأفكار والرؤى.هنا، وبتأثير واضح من المدينة ذاتها، تم تجاوز المفهوم المدرسي للفنون نحو أفكار جديدة يسعى الفن من خلالها لاستقراء العالم في ضوء دلالات حضارية وسياسية واقتصادية وجمالية ليست بعيدة عن تأثير التحولات الكبرى في المجتمعات الإنسانية.غير أن هذا الانفتاح الشكلي والمضموني في لعبة الفن المعاصرة، لم يمنع التشكيلي الإماراتي من اختبار تجربته بحرية من خلال المزج بين أكثر من مدرسة فنية كالواقعية والتجريدية والانطباعية والسيريالية وحتى المفاهيمية، وربما يكون ذلك أحد عناصر تميز التشكيل الإماراتي الذي كان في كثير من الأحيان يستند على رصيده الفني ويوظفه ضمن خيارات الفن المعاصر، تماشياً مع فكرة أن الماضي هو ابن الحاضر وكلاهما نافذتان على المستقبل.مثل هذا التعدد في التشكيل الإماراتي، وسم التجربة الفنية المحلية بتجليات مبدعة في رصيدها التشكيلي البصري، فصارت هذه التجربة حقلاً مفتوحاً على المغامرة والجمال، واسترعت انتباه كثير من القيمين الدوليين الذين أشادوا بالمستوى الذي وصلت إليه هذه التجربة، من حيث التنوع والتفرد ومن حيث الأساليب المختلفة.
مشاركة :