لا أعرف كيف يموت القتلة، وماذا يدور في خاطرهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، خيوط دماء ضحاياهم ونظراتهم المعاتبة.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/05/20، العدد: 10638، ص(21)] عبّر إيان برادي، القاتل المتسلسل الشهير، أكثر من مرة لمحاميه برغبته في إنهاء حياته، وحاول مرارا الإضراب عن الطعام ليصل إلى غايته لكن السلطات نقلته من السجن إلى مستشفى الأمراض العقلية ليتم إطعامه قسرا، فخضع لرقابة شديدة بسبب ذلك للحفاظ على حياته. وكانت هذه أكبر عقوبة يمكن أن يحصل عليها قاتل مهووس استيقظ فجأة على وقع طرقات ضمير طال سباته، ليواجه في كوابيسه صور الصغار الذين عذبهم، دموعهم، وتوسلاتهم في لحظاتهم الأخيرة. الأسبوع الماضي، نشرت الصحف البريطانية خبر وفاة برادي إثر إصابته بالسرطان عن عمر 79 عاما، بعد مرور أكثر من خمسة عقود على ارتكابه لجريمته الأولى في مانشستر. قتل إيان وعذب بالتعاون مع صديقته ميرا هيندلي التي توفيت في سجنها قبل أعوام، خمسة أطفال ابتداء من العام 1963 وكان الضحية كيث من ضمنهم، لكنه الوحيد الذي لم يعثر على رفاته حيث احتفظ القاتل بسّر مكان الدفن، وأخذه معه إلى القبر. توفيت والدة الصغير كيث العام 2012، حيث أكلها الحزن بعد أن خاضت مع القاتل معركة استمرت لعقود للتعرف إلى مكان دفن جثة طفلها من دون جدوى. كان القاتل يعي تماما بأن نهايته صارت وشيكة، بعد أن استدعي محاميه وتحدث معه بخصوص ترتيبات الجنازة، لكنه، مع ذلك، وجه إهانة أخيرة إلى أسرة ضحيته كيث، الذي اختفى وهو في طريقه إلى منزل جدته في 1964 وهو في سن الثانية عشرة، برفضه الكشف عن مكان دفنه! ترى ما الذي كان يفكر فيه هذا الكائن الغريب وهو يحاول أن يستّل ابتسامة أخيرة من وجه الموت، ليرقص بها رقصته البشعة على جراح أسرة الطفل المغدور؟ لا أحد يعلم يقينا لماذا أقدم برادي على جرائمه، ولهذا رجح البعض نظرية المرض النفسي ووُصف بأنه مصاب بالفصام وجنون الارتياب، كتبرير أورده بعض المتخصصين لأفعال ترتكب بهذا المستوى من الإجرام. وتأكدت هذه الشكوك بعد أن أوصى القضاء بالتحفظ عليه منذ أكثر من عقدين في مستشفى للأمراض العقلية. كان القاتل قد صرّح لمحاميه بأنه كان يتمنى لو أنه حصل على حكم بالإعدام وليس بالسجن مدى الحياة، حيث ألغيت عقوبة الإعدام إبان سنة محاكمته ونجا منها لكنه لم ينج من الموت الذي رافقه طيلة سنوات سجنه ومن ثمة موته البطيء في المستشفى بعد أن نخر السرطان جسده وعذبه كما عذب هو ضحاياه. على وفق ما تشير إليه مصادر البحث في الأدلّة الجنائية، فإن بالإمكان التعرّف إلى القاتل من خلال انعكاس صورته في حدقة عين الضحية، حيث يعتقد بأن قزحية عين المتوفى تحتفظ بآخر لحظة من حياته وبالاستناد إلى ذلك يمكن الحصول على صورة القاتل. لم يكن رجال الشرطة بحاجة إلى التقاط صورة لحدقات عيون الصغار ضحايا برادي، فقد اكتشفت جرائمه على نحو أكثر سلاسة من خلال شهود الإثبات وأهمهم جهاز التسجيل الذي حفظ صرخات الأطفال وتوسلاتهم، بينما كان القاتل يحاول توثيقها ليستمتع بسماعها في أوقات لاحقة. لكن، يا ترى، كيف تزاحمت الوجوه البريئة في حدقة عينه في لحظات احتضاره هو؟ ومن منها كان الأكثر وضوحاً؟ وعن ماذا كانت تحدثه ملامح الصغار الخائفة؟ لا أعرف كيف يموت القتلة، وماذا يدور في خاطرهم وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، خيوط دماء ضحاياهم ونظراتهم المعاتبة. ولا أعرف، أيضا، كيف يقضي الطغاة قتلة الشعوب لحظاتهم الأخيرة، وكيف يمكن أن تتسع حدقات عيونهم لتضم الملايين من جماجم ضحاياهم! كاتبة عراقية مقيمة في لندننهى الصراف
مشاركة :