كيف يكون النجاح والتفوق سببين لعدم الثقة بالنفس بقلم: نهى الصراف

  • 9/5/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

كيف يكون النجاح والتفوق سببين لعدم الثقة بالنفسمن المتعارف عليه أن الإنجاز والتفوق والنجاح بكل الصور قد تسبب القلق أو الاكتئاب أو على الأقل، خليطا من مشاعر عدم الثقة بالنفس والانزعاج الذي لا يُعرف مصدره. هذا الأمر يبدو منافيا للمنطق إلى حد كبير؛ فالنجاح في العمل أو التفوق في مجال من مجالات الإبداع بما ينطوي عليه من تقدير من قبل الآخرين والمكانة الاجتماعية التي يمكن أن يحظى بها المبدع والناجح، قد تكون أسبابا للسعادة والرضا وليس العكس، خاصة أن التفوق بات حلما للكثير من الشباب وهم لا يزالون على الدرجة الأولى من سلم الحياة الدراسية والعملية، حيث أن التفوق، لا النجاح وحده، هو هدف الجميع.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/09/06، العدد: 10743، ص(21)]كيف ستكون الخطوة المقبلة يرى الدكتور لانس دوديس أستاذ في الطب النفسي السريري في كلية الطب، جامعة هارفارد الأميركية وباحث ومشرف في جمعية بوسطن للتحليل النفسي، أنه ليست هنالك أي مشكلة في الإنجاز والنجاح والتفوق، المشكلة أن بعض الناس يتركهم التفوق فريسة لمشاعر سلبية منها الاكتئاب والقلق وربما الغضب، بل إنهم أحيانا يقعون تحت تأثير الشعور بالفراغ وعدم الجدوى وبأن حياتهم ينقصها المعنى، وهم غالبا لا يفهمون سر هذه المشاعر بل لا يعرفون في الغالب أن النجاح والتفوق هما سبب كل تعاستهم. وأوضح أن هذا الأمر قد يعتمد على ما تعنيه لهم إنجازاتهم هذه وما إذا كانوا قدموا كل الجهود الحثيثة للحصول عليها، لتحصيل رضا الآخرين فقط وليس رضاهم عن أنفسهم ولتعزيز شعورهم بأنهم أناس ذوو قيمة في نظر الآخرين لا في نظر أنفسهم، حيث أن الفشل في تحقيق ذلك يعني أنهم لا يستحقون محبة الناس. وتعود جذور هذه المشكلة، بحسب الدكتور لانس دوديس، إلى مرحلة الطفولة، حيث يلقن الأهل أطفالهم من دون قصد مفاهيم تقليدية توحي لهم بأن قيمة الإنسان إنما تتحدد بمستوى إنجازاته وما يمكن أن يحققه من طموح وتفوق على الآخرين. ويوحي الجانب المظلم من هذه الرسالة الخاطئة في التربية بأن من لم يحقق النجاح والتفوق على أقرانه لا يستحق أن يكون شخصا مقبولا ومحترما في المجتمع، حيث تنتقل الفكرة الخاطئة لتصبح هاجسا بعد أن يصبح الصغار مراهقين، ثم شبابا، تقلقهم الفكرة المزعجة وتسيطر على مشاعرهم لتعززها بعد ذلك قيم المجتمع التي تلعب على الوتر الحساس ذاته. وهكذا تفعل بتأثير الوحي ذاته وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، التي تروج بصورة غير مباشرة للأشخاص الأكثر شهرة بأنهم يستحقون الإعجاب أكثر من غيرهم، فيصبح من السهل على الأشخاص الذين يشعرون بالنقص الداخلي وغياب تقدير الذات، بالمعاناة من الأمر طوال حياتهم وبالفكرة الخاطئة التي تسيطر عليهم، من أن هذا الفشل هو من صنع أياديهم وحدهم لأنهم لم يبذلوا الجهد المطلوب ليستحقوا المكانة الاجتماعية المرموقة وحب الناس.وسائل التواصل الاجتماعي تروج بصورة غير مباشرة للأشخاص الأكثر شهرة بأنهم يستحقون الثناء أكثر من غيرهم ولهذا، فإن أي إنجاز يحققونه مهما علا شأنه لن يحظى بقبولهم ولن يغير شيئا بمقياس احترامهم وتقديرهم لذواتهم، على الرغم من أن أداءهم قد يكون بمستوى عال ومرموق، لكنهم قلما يعترفون بذلك. ويورد متخصصون أفضل مثال على هذا النوع من الشخصيات التي تمتلك كل مقومات السعادة من وجهة نظر اجتماعية متعارف عليها؛ منزل جميل، شريك حياة محب، مهنة جيدة ومركز اجتماعي واقتصادي مرموق، وعلى الرغم من ذلك يبقى هناك شعور داخلي بعدم الرضا وعدم الاكتفاء، شعور بأن المسافة بين ما تم تحقيقه بالفعل والنجاح المرجو مازالت بعيدة وبأن هناك فراغا داخليا ولا جدوى من كل شيء. ومن جانبه، يصف الدكتور جاريد ديفيف أستاذ علم النفس السريري وأستاذ مساعد في قسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية طب جامعة إموري الأميركية، يصف هذا النوع من الأشخاص بكونهم أصحاب العقول المغناطيسية، بحسب تعريف بعض المتخصصين؛ وهم الأشخاص الذين يشعرون بانجذاب شديد لكل ما يتعلق بالعلم والمعرفة والأفكار الجديدة وكل ما من شأنه أن يحرك مشاعرهم بصورة قوية، ويشفي فضولهم ويروي عطشهم للمعرفة. هؤلاء الذين تربطهم بالمعرفة وشائج عاطفية، ويتوقون لتحقيق الإنجازات عالية المستوى، حيث يتمثلون في كتلة متقدة من الطموح الذي لا يمكن أن يقف في طريقه شيء. هم أنفسهم، أولئك الذين يعانون من نوبات القلق الشديد والشعور المستمر بعدم الأمان، مع كل ما يحققونه من إنجازات ونجاحات خاصة إذا كانوا محط أنظار الآخرين الذين يتوقعون منهم الأكثر والأفضل وهم الأهل والمعلمون والرؤساء في العمل. وفي الغالب، يسعى هؤلاء بتأثير القلق إلى محاولة استجداء ثناء الآخرين وإعجابهم بصورة متواصلة، هذه الحاجة لتقدير الآخرين تنبع من إحساس عميق بعدم الثقة بالنفس وبأن النجاح العادي لا يلبي حاجتهم، بل أن طموحهم غالبا ما يستفز طاقاتهم الكامنة للبحث عن إنجاز جديد ونجاح أكثر إبهارا، وكأنهم يدورون في حلقة مفرغة. ويؤكد ديفيف من خلال تجربته في تقديم الاستشارات في مجالات التنمية والعلاقات الاجتماعية، أن هؤلاء الموهوبين فكريا وعاطفيا لا يعلمون حتى بصفاتهم هذه، فهم حساسون في ما يتعلق بهذه الفكرة، يقضون أوقاتهم في وهم، يكافحون من أجل أن يحصلوا على أعلى التقديرات في الدراسة الأكاديمية، والبحث عن المراكز المرموقة والكمال في كل ما يتعلق بحياتهم الشخصية وعلاقاتهم الاجتماعية، يسيطر عليهم شعور دائم بالقلق على الغد وما يتوجب عليهم فعله للحفاظ على منجزاتهم وتعزيز نجاحاتهم. وهذه الصفات يبرز فيها بصورة واضحة كل من يشتغل في حقل الإبداع، ولسان حاله يقول “كيف ستكون الخطوة المقبلة، وكيف أحافظ على النجاح الذي قدمته؟”.

مشاركة :