مقتضى الرشد والمنطق السديد يحث على الاعتراف بأن لا شريك الآن. فإنكار الشراكة أسمعه المحتلون للعالم، عندما فازت حماس بالحكم في انتخابات 2006، ويتوجب على الفلسطينيين استخدامه الآن.العرب عدلي صادق [نُشر في 2018/02/03، العدد: 10889، ص(9)] في غمرة الإنكار المديد، بأن الانسداد السياسي أمام الفلسطينيين، يستوجب جمع الأشتات الفلسطينية والتوافق بين الأطياف، على إستراتيجية عمل وطني واحدة، حتى لو اقتضى الأمر الاستعانة بجميع الأطراف الإقليمية ذات التأثير على طرفي الخصومة، بدأت القيادة الرسمية الفلسطينية تتحدث عن إطار دولي تعددي لرعاية العملية السلمية، ونقلت هذه الصيغة إلى جامعة الدول العربية لاعتمادها. ويستشعر الفلسطينيون في هذا الحديث تراجعا عن الموقف الفلسطيني الرسمي المعلن ردا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس. فقد قُرأت هذه الصيغة المنقحة، باعتبارها تراجعا عن المطلب العسير وهو إقصاء الأميركيين، لكن أولى الخطوات لمواجهة الموقف، تكمن في التوافق على استراتيجية عمل وطني فلسطيني واحدة، ومن هذه النقطة تبدأ مراكمة عناصر القوة الفلسطينية المُضيعة. أما التراجع التدريجي عن الموقف الحاسم ضد إدارة دونالد ترامب، وهو موقف أريد منه، بالدرجة الأولى، ترضية الفلسطينيين وامتصاص غضبهم، دون تغيير في السياسات الاجتماعية والأمنية على الأرض، فإنه لن يُصلح الموقف الأميركي ولن يُصوّب سياقاته. وتستند مظنّة التراجع، لدى الفلسطينيين، إلى ملمحين اثنين، فضلا عن خلو الأفق من أي إشارة تعطي أملا بأن الأمور في سياق أداء الحكم الفلسطيني، يمكن أن تتغير إلى الأفضل. الملـمح الأول هو تنقيح صيغة الرفض التام لضلوع الولايات المتحدة في عملية الوساطة أو ما يسمونها “الرعاية” الأميركية حصرا للعملية السلمية، واستبدالها برعاية تعددية، بينما الإطار التعددي قائم أصلا في ما يسمى “الرباعية الدولية” التي تضم أوروبا وروسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة. أما الملـمح الثاني، فيمثله ظهور دور لرجال أعمال فلسطينيين، لن يجرؤ أيٌ منهم على المبادرة واللعب في القضية الوطنية لشعبه، ما لم يكن مُكلفا من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه، لا سيما عندما يكون المبادرون مجموعة منهم، وليس فردا. فرجال الأعمال الفرادى لن يتوافقوا حتى على مشروع ربحي، فهم بطبيعتهم متنافسون، وبالتالي فإن اجتماعهم محض تكليف سياسي، بمهمة جس النبض والاستدراك والبحث عن صيغة أخف وطأة نظريا، تفتح المجال لعودة الدور الأميركي. فهذه طريقة معروفة، مرت في تاريخ الصراع، وسُمعت للمرة الأولى، بلسان الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، حيث كانت لرجال أعمال وشخصيات وأكاديميين، أدوار في اتصالات على مر المراحل، لاستكشاف الآفاق في سياقات بائسة، لإعطاء الأميركيين دورا مركزيا حاسما في السياسات الإقليمية. والطريقة معروفة، وكثيرا ما جرت الاستعانة برجال أعمال وأكاديميين، للالتفاف على صعوبة المجـاهرة بالتماشي مع الأميركيين، وكانت لرجال أعمال وشخصيات وأكاديميين، أدوار في اتصالات في مختلف المراحل، حيث تم الزج بأسماء الراحليْن إدوارد سعيد وهشـام شرابي، كمفاوضيْن محتملين، في أوج صعود نجم منظمـة التحرير الفلسطينية. فـلا معنى للقول إن رجال الأعمال مبادرون من تلقاء أنفسهم. فالشعب الفلسطيني يتطلع إلى التوافق الوطني على قاعدة المحددات الدستورية والقانونية. وقد بات واجب الكل الفلسطيني أن يتوقف وقفة موضوعية مع النفس، وأن يتذكر أن كل المراحل التي مرت وكان فيها الفلسطينيون موحدين ولو بالحد الأدنى؛ كانت ورقتهم السياسية أقوى، وتضطر الأطراف الدولية إلى التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم عنصرا قويا في المنطقة. المقاربة التي باتت مطروحة الآن من الجانب الرسمي الفلسطيني، هي الإطار الوسيط المتعدد، الذي يتولى العمل على التوصل إلى حل، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية غير مؤهلة للعب هذا الدور وحدها. وفي هذا السياق، يجري التركيز على الأوروبيين والروس والأمم المتحدة، وهي أطراف كانت ومازالت حاضرة نظريا من خلال ما يسمى “اللجنة الرباعية”، لكن تأثيرها على صعيد المسائل الجوهرية لم يكن وازنا عندما لم يكن موقف الإدارة الأميركية بهذه العنجهية وبهذا الشطط، وعندما كان متاحا للأوروبيين أن يجدوا لأنفسهم دورا أثقل وزنا في محاذاة الدور الأميركي. ويتوجب الاعتراف بأن القيادة الفلسطينية نفسها، أسهمت في إضعاف الدور الأوروبي، من خلال تقبل الدور الأميركي المنفرد، في وقت كانت لديها فيه القدرة على الممانعة. اليوم، الأوروبيون لهم شكايتهم من إدارة ترامب نفسها، وإسرائيل تركز على الدور الأميركي، وقد ظلت لديها صيغة للتعاطي مع الأروربيين، على الرغم من انتقاداتهم الخافتة لها، واعتراضهم على الكثير من الممارسات الإسرائيلية. وعلى هذا الصعيد، ضمنت تل أبيب التعايش مع الفتور الذي طبع علاقاتها الأوروبية، مع عدم القطع مع الروس، وقد تعايش الأوروبيون والروس مع عناد تل أبيب. مقتضى الرشد والمنطق السديد، يحث على الاعتراف بأن لا “شريك” الآن. فإنكار الشراكة أسمعه المحتلون للعالم، عندما فازت حركة حماس بالحكم في انتخابات العام 2006. ويتوجب على الفلسطينيين استخدامه الآن، بعد أن فازت تل أبيب بكـل إدارة دونالد ترامب، ولم يعد أمـام الحكم الفلسطيني إلا أن يبدأ عملية إصلاح وتصويب حقيقي لأوضاع الكيان السياسي. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق
مشاركة :